كارثة مجتمعية.. رجال يراقبون زوجاتهم بالكاميرات بغرف النوم
حالات قليلة لاترقى إلى مستوى الظاهرة، ولكن خطورتها تكمن في أن أى ظاهرة غالبا ما تبدأ بحالات قليلة، أي بحالات فردية، إنها حالات تعرض بعض الزوجات للمراقبة عليهن من جانب أزواجهن من خلال كاميرات خفية يتم وضعها في سرية تامة ببيت الزوجية، خاصة في غرف النوم.
"هير نيوز" بمجرد أن علمت بوجود مثل هذه الحالات، وبأنها كانت سببًا في وقوع حالات طلاق في الفترة الأخيرة، فتحت هذا الملف واستطلعت آراء بعض المختصين، والتفاصيل في سطور هذا التحقيق.
تقول إيمان عبدالله، استشارى العلاقات الأسرية والزوجية، إن مراقبة الزوج لزوجته عبر الكاميرا الخفية ليست حكاية برنامج كوميدي ولكنها مع الأسف واقع مرير تتذوق مرارته زوجة تعاني من شخصية زوج لديه الشك المرضى الذى يدفع أصحابه إلى التصرفات الحمقاء والمتهورة والتي يصعب التعامل معها أوتحملها.
وتضيف "هناك أسباب عديده تجعل الزوج يقبل على مراقبة زوجته مثل "الشك المرضى الضلالى"، وفى هذه الحالة يبدو على الزوج أنه شخصية سوية، وتكون معاملته حسنة بكل من حوله، ماعدا من يقعون في دائرة الشك والضلالات، وهو نوع من الشك لايكون لصاحبه القدرة على تبريره بدلائل منطقية".
وتؤكد عبدالله أن هناك أزواج يراقبون زوجاتهم بالكاميرات الخفية داخل بيت الزوجية وخاصة في غرف النوم، بدافع الغيرة الشديدة، خاصة عندما تقوم الزوجة بتصرفات تدفعه إلى ذلك، كتغيبها عن البيت لساعات طويلة أو ارتدائها ملابس غير مناسبة، مما يسبب للزوج غيرة شديدة، وهى غيرة مرضية لها مساوىء كثيرة على نفسية الزوجة، وتعد أحد أخطر أسباب المشاكل الزوجية وحالات الطلاق والتفكك الأسرى، في السنوات الأخيرة.
وتكشف عبدالله النقاب عن أسباب أخرى لحدوث المراقبة للزوجة بالكاميرات الخفية في بيت الزوجية، منها قلة الوازع الدينى وغياب الصراحة والحوار الناضج بين الزوجين، شعور الزوج بعدم الثقة في النفس، ويعدم الإحساس بالأمان النفسي الداخلى، ووجود صورة مشوهة للمرأة بوجه عام في عقله الباطن، وكلها أمور غالبا ما يرجع السبب فيها إلى عوامل تربية منذ الصغر، استقاها الزوج نتيجة خبرات وتجارب فاشلة، أفقدته الثقة في نفسه وفي الآخرين.
وحذرت من الفضائيات والأفلام التي ترسخ صورة سيئة عن المرأة في ذهن الرجل، بأن كلهن خائنات كما يظهر في معظم الأفلام المصرية والعربية، وتشير إلى أن هناك زوج يستخدم الكاميرا لمراقبة زوجته حتى يتأكد من الشك فيها وللانتقام والتشهير بها ومساومتها للتنازل عن كل حقوقها عند الطلاق.
وتنصح عبدالله كل زوج يأخذه التفكير لمراقبة زوجته بالكاميرا الخفية بأنه يحتاج لعلاج أسرى ونفسى واجتماعى، من خلال عيادات ومراكز الإرشاد الأسرى، والتي تقوم بتعديل السلوكيات والمفاهيم وتقدم النصح والإرشاد.
وتختتم حديثها بالقول أن مراقبة الزوج لزوجته بالكاميرات الخفية لها مخاطر شديدة على المجتمع، منها انهيار العلاقة الزوجية، وتراجع فكرة الزواج عند من يمرون بهذه التجارب المريرة، وبالتالي انهيار قيم ومبادئ المجتمع العريقة، وزيادة نسبة الطلاق، ونشوء جيل فاقد لقدسية الحياة الزوجية في حال اتساع المراقبة بالكاميرات ووصولها إلى حد الظاهرة المجتمعية.
وتشير ريهام عبد الرحمن أخصائية نفسية واستشارى علاقات أسرية وزوجية، إلى أن مراقبة الزوج لزوجته بالكاميرا الخفية في بيت الزوجية يعد أحد أنواع تجسس الزوج على زوجته، وتصف هذا التجسس بأنه ظاهرة تهدد كيان الأسرة وتدمر الحياة الزوجية فالشك بمثابة الصخرة التي تتحطم عليها الثقة والمودة بين الزوجين، فبدلا من أن تسهم التكنولوجيا في الحياة الهانئة السعيدة أصبحت من أبرز أسباب الطلاق في المجتمع، خاصة عندما يستخدمها الزوج في تتبع سلوك زوجته من خلال وضع الكاميرات في غرفتها!!
وتقول عبد الرحمن، إن التجسس بدافع الغيرة الشديدة سلوك مزموم نهى الإسلام عنه لحكمة عظيمة، فالإنسان السوى لا يتتبع عورات الأخرين ولا يسئ الظن بهم، مصداقا لقول الله عز وجل(( يا آيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا)) الحجرات آية 12، فالتجسس يؤدي إلى قتل المودة واختناق العاطفة وتلاشي الرحمة بين الزوجين وتدمير أواصر الحياة.
وتصف الدكتورة ريهام عبد الرحمن، تجسس الزوج على زوجته بأنه مرض نفسي ناتج عن الشعور بالنقص، والتفكير الخاطئ وانعدام الثقة بالنفس، وقد يندرج تحت أنواع الوسواس القهري؛ ولذلك نجد أن الرجل الشكاك لديه بعض الصفات السلبية مثل، سوء الظن المستمر بالأفعال والأقوال التي تصدر عن الآخرين، والحساسية المفرطة وافتعال المشكلات على أبسط الأشياء، والعناد وصعوبة الإقناع فهو كثير المجادلة، ودائما ما يرى أنه على صواب، والميل الشديد لتحكيم العقل على القلب في السلوكيات والقرارات، والتعامل بشدة وصرامة مع الآخرين.
وتهمس الرحمن في أذن الزوج قائلةً لها،إحذر أيها الزوج فالمرأة وإن كانت تتحمل بعض التصرفات السيئة كالغيرة المفرطة،إلا أنها لا تتحمل أن تجرح في كرامتها وعفتها، وتؤكد أن الحياة مع نموذج الرجل الشكاك جحيم لا يطاق، فالمرأة بطبيعتها تكره الرجل الشكاك فهي لا تستطيع أن تعيش حياة السجين المراقب على مدار اليوم بكاميرات الزوج الخفية؛ والتي ترصد كل حركة من حركاتها.
وتقدم عبد الرحمن لكل زوجة روشتة بسيطة وسهلة للتعامل مع الزوج الغيور والشكاك، حتى تتجنب مراقبته لها وتجسسه عليها، وتتمثل هذه الروشتة في اتباعها أسلوب المصارحة والوضوح معه في القول والفعل، والبعد عن محاولة إثارة غيرته وذلك لعدم استثارة الريبة والشك في نفسه، والبعد عن التصرفات العفوية والتي قد تكون سببا في الشك فيها نتيجة لغيرته الشديدة عليها.
وتكشف الستار عن سبب أخر لمراقبة الزوج لزوجته في بيت الزوجية، يتمثل في النكاية بها والرغبة في فضحها أمام الأخرين وتهديدها بالكاميرات، خاصة عندما يعلم الزوج برغبتها في الطلاق منه، سواء بقولها أو بتصرفاتها، وتحذر بشدة من أن التجسس على الزوجة يؤثر على نفسية الأبناء بالسلب ولا يمكن أن يفعله رجل سوى يتعامل بالحكمة ويستطيع السيطرة على مشاعره من باب "لاينبغى أن ننسى الفضل بيننا".
أما الدكتورة ميرفت هلال أخصائى الإرشاد النفسى، فتقول، إن الشك الزوجى الناجم عن الغيرة الشديدة وعن أسباب أخرى يدفع الزوج إلى الإكثار من توجيه الأسئلة للزوجة بمبرر ودون مبرر، وتكرار الاتصال بها وهو خارج البيت، بداعى ودون داعى، بالإضافة إلى مراقبته لها بشكل كامل وبالصوت والصورة لمتابعة كل تصرفاتها وحركاتها آناء الليل وأطراف النهار، خاصة عندما يكون الزوج لديه عجز جنسى يدفعه إلى الشك في كل المحيطين بها.
وتضيف، إن مراقبة الأزواج لزوجاتهم بالكاميرات الخفية في بيت الزوجية لم ترقى لمستوى الظاهرة حتى الآن، ولكنها موجودة بأعداد قليلة، ووجودها في حد ذاته يمثل جرس إنذار للأسر بشكل عام وللأزواج بشكل الخاص، وكذلك للدولة والمجتمع، خاصة أن التطور التكنولوجى الهائل دفع الكثير من الأزواج إلى مراقبة زوجاتهم على النت، وبشكل يرقى إلى مستوى الظاهرة.
بدورها تقول ؤكد الدكتورة ميرفت هلال، إن علم النفس لديه تفسير سيكولوجى لتجسس الزوج على زوجته، وهو أن الزوج الشكاك لديه نزعة حب التملك للزوجة والسيطرة عليها، ويعانى من الشعور بالنقص المتمثل في اللوم الدائم للذات، بسبب رؤية ذاتية سلبية ومتدنية نتجت في الأساس عن معاناة من النقص في مشاعر الحب، كأن يتعرض الزوج في الصغر، مثلا، للحب المشروط، وهو الحب المرتبط بتقديم أشياء أولًا، مقابل الحصول على هذا الحب، وهو حب تلعب فيه لغة الجسد دورا جوهريا في سلوك الزوج الشكاك تجاه زوجته والآخرين.
وتنصح هلال الأزواج بالبعد عن مراقبة الزوجات أو التجسس عليهن،لأنه يحول حياتهن إلى جحيم لا يطاق، ويجعل من الصعب على الزوجة تقبل مثل هذا الأم، لكونها تشعر بسببه وبشكل مستمر أنها متهمة بالخيانة ومطعونة في شرفها وكرامتها، وتهمس هلال في أذن الأزواج قائلة، إن الأصل في العلاقة الزوجية مبني على حسن الظن والقيم الأخلاقية العالية والثقة المتناهية بين الزوجين، انطلاقا من أن الزواج "ميثاق غليظ"، وليس مجرد نزهة عاطفية.