الإثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق 13 ربيع الأول 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
ads
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

الدكتور سيد النحراوي يكتب.. العلاج بركوب الخيل

الثلاثاء 21/ديسمبر/2021 - 05:07 م
هير نيوز

لا يوجد فلاح لم يركب الحمار يومًا، وإذا أسعده الحظ كان من ركوب البغال أو الخيول، وتكاد تكون الفِلاحة عندنا في القرى مرادفة لتربية الحيوانات الأليفة والتعامل معها وامتطاء ما يمكن امتطاءه منها، وهي ما توفر مناخًا حياتيًا طبيعيًا للتعامل مع أصناف الحيوانات الأليفة، وكذلك الطيور، ومشاركتها عملية التواصل..

وتكاد لا تخلو ذاكرة أحدهم من مواقف كثيرة حدثت له مع الحيوانات، بعضها ربما يكون سلبيا، لكن الأعم أن معايشة ذوات الأربع تترك أثرها في نفوس من تعامل معها وعايشها لفترات.


ومما أذكره صغيرا ذات مرة، أنني بعد مجهود يوم شاق في تقطيع حقول الذرة بالمنقرة (صغير الفأس)، أحسست بتعب شديد في فقرات الظهر وعضلاته، وعدم القدرة على التطاول والوقوف، فما كان من والدي إلا أن أركبني الحمار ذاهبا بي إلى القرية بحثا عما يمكن به أن يداويني، وكان عجبا أن حركات الحمار التي يخطوها بانسيابية ورشاقة وبطء؛ أذهبت ألمي وفككت متماسك عضلاتي، وأحسست بعدها براحة عجيبة أغفلتني عن طلب الطبيب. وهو ما شجَّع والدي ساعتها على أن حكى لي موقفا مشابها حدث معه في فترة شبابه، حيث كانوا يعملون طوال الليل دون راحة في "ضم الغلة"؛ حصاد القمح، وهو ما يعني ساعات من التثني وانحناء الظهر لدرجة أعجزت أحدهم عن الحركة تماما، وأحدثت تصلبا في فقراته، وتقلصا في عضلاته فترنح أرضا يشتكي الألم، فما كان منهم عند الشروق إلا أن حملوه على جمل إلى أقرب حلاق في القرية (والذي كان يعمل بديلا للطبيب وقتها) وبعد أن اعتلى صاحبنا الجمل ما يقرب من الساعة؛ إلا وقد أذهب الله ما كان يعانيه، ومثَّلت له حركات الجمل، وإيقاعاته حين المسير علاجا بسط عضلاته، وأرخي مشدود جسمه، وأشعره بنوع من التناغم والتساوق في علاقة أعصابه بعضلاته فذهب وجعه، ولم يحظ حلاق القرية منه يومها بشيء.


هذه الحادثة التي عايشتها، وتلك التي حكاها لي أبي استقرَّت في الذاكرة، ومعها تساؤلات لم أستطع ساعتها الإجابة عليها:

ما الذي أذهب ألم من تألم حين ركب الركوبة؟

ما علاقة ركوب الجمل، أو الحمار بجسم الراكب؟

ما الذي تحمله حركات هذا الحيوان من أسرار تبعث على التعافي والتداوي؟

وهل يقتصر علاجها على الناحية الجسدية فقط أم يمتد ليشمل الحالة النفسية لشخصية الراكب؟

ولولا أنني مررت بالتجربة نفسها ما كنت أحسبني أقتنع يوما بصحتها.


ولعل هذا الموقف الذي حملته الذاكرة لتجربة ذهاب الألم والوجع بركوب الحيوان، كان هو الدافع الرئيس وراء اهتمامي بهذا النوع من العلاج القائم على حركة الحيوان، ومحاولة تلمُّس أسبابه ودوافعه، وأسسه ونظرياته، ومجالاته وموضوعاته.

وما أن أتيحت لي فرصة الاطلاع على عدد كبير من الدراسات الأجنبية؛ إذ هالني ما رأيت وأدهشني، دهشة تدعوا للغرابة، فعلى الرغم من كثرة الدراسات الأجنبية التي فصَّلت وأصَّلت الحديث عن منهجية ركوب الخيل كحقل علاجي نفسي حركي؛ إلا أن قصورا ملحوظا في الدراسات العربية المهتمة، وهو ما ولَّد عندي ليس فقط إشكالية على مستوى الممارسة والتطبيق لهذا النوع من التأهيل (النادر تطبيقه مع الحالات المختلفة)؛ بل أيضا إشكالية على مستوى التنظير والمتابعة البحثية والمنهجية.

وهو ما حفزني على تقصي الموضوع من أجل أن ألقي الضوء على هذا النوع من العلاج، وأن أتعرف على أهم مصطلحاته، ومؤسساته، وفنياته، وموضوعاته، ومجالاته بما يقرِّب للباحث العربي الصورة، ويستحثه على ممارسة هذا النوع من العلاج على مستوى الممارسة، والاهتمام به على مستوى التنظير.


اقرأ أيضًا..

الدكتور سيد النحراوي يكتب.. الصَفْعَــة


ads