السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

هيام داود تكتب.. المرأة النوبية

الثلاثاء 28/ديسمبر/2021 - 06:38 م
هير نيوز

هي امرأة ولدت وعاشت على ضفاف النيل مرحت وتنزهت على ضفافه فتغلغل النيل في وجدانها وأوصالها فاكسبهن الهدوء والجمال والطبيعة.

كبرت وهي في أحضانه حتى أن مراسم زواجها وسبوع مولودها لابد وأن تكون بمشاركة النيل لها ببعض الطقوس الشهيرة بصناعة مركبه من الأغصان أو الورق تحمل اسم مولودها واطلاقها بالنيل للتبرك بها...

هذه الرقة والعذوبة التي اكتسبتها من صفات النيل لم تمنعها أن تكون ملكة محاربة إذا حكمت ظروفها ولعل أبرز القصص التاريخية الملكة أماني ريناس التي تولت مقاليد الحكم بعد وفاة زوجها فجأة، واستطاعت بفطنة وذكاء ترويض جيش كالرومان في أوج قوته وجبروته وعقدت معه الصلح ولم يستطع غزو النوبة وإراقة الدماء.

لذلك نالت المرأة النوبية داخل أسرتها علي مر العصور التقدير والاحترام فهي دائما الدعامة الأساسية التي تحافظ على العادات والتقاليد والإرث الثقافي من أجدادها وجداتها داخل الأسرة فكانت تحاكي الطبيعة حولها فتقوم بنفسها بالنقش والرسم علي  جدران منزلها بالألوان الزاهية المستوحاة من الكون حولها وهذا المزج الرهيب للألوان وحتي النقش على أوانيها المنزلية وهي التي ميزت الأطباق والأواني النوبية عن غيرها في الحضارات القديمة وموجودة داخل المتاحف الشهيرة داخل وخارج مصر.

ومازال الإبهار والتفرد في النقش والألوان ويظهر ذلك جليا في متعلقاتها الشخصية والتي عادة كانت من الذهب الخالص وذلك المستخرج من أراضي النوبة الشهيرة منذ القدم بمحاجر الذهب فكان يتم النقش برسوم كقرص الشمس والقمر والأزهار والفواكه كذلك الطيور، والتي أبهرت في العصر الحديث بعض مصممي الأزياء والمجوهرات العالمية أن يتمركز في النوبة لفترة من الزمن لإعادة صياغة خطوط أزيائه.

وبعد أن تغيرت الطبيعة حولها فجأة بعد متطلبات بلدها مصر بناء السد العالي لمنع الفيضان وغرق قريتها واراضيها وبعدها عن مصدر إلهامها وحياتها النيل .

إلا أنها وبروح المحارب كجداتها قررت أن تكون داخل أسرتها في هذه المرحلة المهمة بعد الهجرة فكانت الدعامة للأسرة النوبية في هذا التغيير المفاجئ والحزين  ولكنها لملمت جراحها واستنهضت قواها، وبدأت تحاكي الطبيعة حولها مرة أخرى .

وأيقنت بفطنتها أهمية التعليم وهو الشيء الأبرز في حياة المدينة فحاربت من أجل إلحاق أبنائها بالتعليم رغم قلة الموارد بسبب عدم اتقانهم اللغة العربية، وثابرت ونجحت فأنجبت الطبيب والمعلم والقائد وغيره من النماذج المشرفة والتي برغم الاندماج مع الآخرين إلا أنهم مازالوا يحتفظون بارثهم الثقافي وفخرهم بعاداتهم وتقاليدهم النوبية والتي أساسها تلك المرأة النوبية  والتي الآن وبعد أن اطمأنت على صغارها بدأت تخرج لمجتمعها والمشاركة فى دعم إرثها الثقافي بالفنون والنقش وتعليم اللغة النوبية والحرص على أهميتها للأجيال القادمة تلك المرأة  وذلك البركان الضخم من الطبيعة والفطنة والجمال والمرونة إنها المرأة النوبية.


ads