الأديبة الناقدة عائشة سلطان تكتب: أم الدنيا وإعجاز الخلق

 دائما ما يسألونني ماذا تحبين في مصر ؟ أو لماذا تحبين مصر ؟ وغالبا ما كان السؤال غريبا أو لا يصح كما يبدو لي ، لكنني اتفهم واحفظ لكل انسان حقه في السؤال والمخالفة والاختلاف ، اما لماذا احب مصر ؟ فالحب ان لم يكن له تفسير فإن له تفصيل بالتأكيد  ..

مصر فيها كل شيء . . ولذلك فليس اعتباطا ولا مبالغة ان توصف بأنها " أم الدنيا" ، لندع جانب الهزل عند بعض ممن يبحث عن المفارقات والقفشات وتلك الاسئلة الحارفة للمعنى والمبتعدة عن صلب الحكاية .. مصر أم الدنيا دون حاجة ( لا ضرورةلها ) للمزايدة بسؤال مربك او فارغ : (اذا كانت مصر ام الدنيا فمن هو  ابوها ؟  )

في اعتقادي ان مصر فيها من صفات اعجاز الخلق والخالق الذي اوجد ادم بلا اب وام وسيدنا المسبح من ام بلا اب .. أن جعل مصر ام ليست بحاجة لاب يكملها .. ويصح ايضا اعتبار مصر ام الدنيا وابوها .. كالام المصرية التي اذا اختفى الاب من المشهد الحياتي  لاي سبب صارت هي الام والاب والسند والظهر والقوة الضاربة في خضم الحياة.

مصر بعيدا عن حقائق الارض الخالدة والماجدة: عشرة او سبعة الاف سنة حضارة  ، الشواهد والاوابد الاهرامات وابو الهول والكرنك ورمسيس وكليوباترا والتوحيد وآمون ..

مصر هي التعداد السكاني الهائل ، الامتداد الجغرافي الشاسع ، القدرة على تخليق الرموز والاساطير ، احتراف صناعة التاريخ كل يوم ،  الصمود وخزان الصبر ، السخرية المرة والنكتة الطازجة كرغيف ساخن ، الثورات ورجال الفن ومنظري الفلسفة والاقتصاد والزعماء والثوار والشعراء والدولة العميقة التي لها محل القداسة في الشخصية المصرية والتاريخ ، والدول التي بلا عدد التي توافدت وتوالت عليها وعلى ارضها ، الحملات والغزوات والمستشرقين والمستغربين ، وكل هذا واضح وجلي يمكنك ان تراه وتقف امامه وتنهل من مخزونه ، السياسة والفن والادب ، التناقضات والعشوائيات ، الحسبن والسيدة زينب وشارع المعز واسكندرية والصعيد واسوان والاقصر  ، وطنطا وسيدنا البدوي والرفاعي ، وعبدالباسط عبدالصمد ، ومحمد صديق المنشاوي ، والملك فاروق والرئيس عبدالناصر ، والسادات ، وثورة ١٩١٩ و١٩٥٢ و٢٥ يناير العظيمة و٣٠ يونيو ، وطه حسين ومحفوظ وخيري شلبي ومصطفى امين وعلي امين وحسنين هيكل والاهرام والاخبار وروز اليوسف ، وام كلثوم والسنباطي وسيد مكاوي وسيد درويش، القصبجي وبليغ حمدي وعبدالوهاب وشوقي وحافظ ابراهيم وامل دنقل وعبدالرحمن الابنودي . الارستقراطية المصرية والملكية والحرافيش والحارات والاصالة والحداثة  وبسطات الكتب والازبكية والكتب المضروبة في شارع المعز ، ومنارة الاسكندرية ومكتبتها ، والمكتبات في كل مكان ، والافلام والسينما ويوسف وهبي وزينات صدقي وامينة رزق وسناء جميل وفاتن حمامة ونادية لطفي ومريم فخر الدين وسعاد حسني وعمر الشريف وشكري سرحان ورشدي اباظة والجامعات والمدارس والمسارح والمحترفات والآثار والمساجد والمآذن والكنائس ولاعبي كرة القدم الاسطوريين ، .. انا تعبت وانا اعد واعدد .. لكن مصر شايلة كل هذا وماضية كأجمل وأعظم أم للدنيا .. صباح الخير يا ام الدنيا وحشتيني