أجاب الدكتور علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، من خلال البث
المباشر الذي تبثه الدار الآن عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك", عن سائل
يقول: توفيت سيدة وزوجها متوفّى ولها بنت على قيد الحياة ولها, وبنت أخرى متوفية لها ولد وبنت, وابن ثالث متوفى وله
بنت, وابن رابع متوفى وله ولدان وبنت, فكيف يكون توزيع الميراث؟
الوصية الواجبة
وقال " فخر ": بداية نتعرف من أين أتت الوصية الواجبة,
ولماذا أخذ المشرع المصري بها من أربعينيات القرن الماضي ولم يؤخذ بها من قبل, ثم
كيف نحسب الوصية الواجبة, فلا بد قبل أن يفتي الشخص ينظر إلى هذه الأشياء, وأخيرًا
هل المشرع المصري خالف الشريعة الإسلامية عندما أقر الوصية الواجبة؛ لأنه غيّر في
أحكام المواريث؟
عادات المجتمع الجاهلي في الميراث
واستأنف أمين الفتوى بدار الإفتاء كلامه، مضيفًا أن
آيات المواريث المعمول بها الآن لم تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في بادئ
الأمر ولكن حالها كحال الأحكام الشرعية نزلت بالتدريج؛ وذلك لأن المجتمع الجاهلي
كان له أعراف وتقاليد كان من الصعب تغييرها مرة واحدة, وكانت حكمة المشرع أن يأخذ
الناس مهلا وعلى تدرج بما يتناسب مع قدراتهم العقلية والإيمانية شيئًا فشيئًا.
فكان المجتمع الجاهلي يورث الأبناء الذكور دون الإناث حتى إن الزوجة
كانت تورث ولا ترث بمعنى يأخذ ورثها ابنها وهي حية, والطفل كان لا يرث والكبير
يرث والصغير لا يرث, والرجل الضعيف لا يرث, اعتقادًا منهم بأن المال يتم الحفاظ
عليه بالقوة وهؤلاء الأصناف لا يستطيعون حمايته.
اقرأ أيضًا..
آية الوصية سبقت آيات المواريث
وذكر " فخر " أن قوله تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا
حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ
وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " سبقت نزول آيات
المواريث, وفي هذه الآية إشارة إلى أن المال ينتقل لكل الأقارب بدون تمييز بين
الذكر والأنثى صغيرًا كان أو كبيرًا, مفسرًا أن هذه الآية جاءت بتوزيع المال عن طريق
الوصية وليس الميراث, وغير محدد ولجميع الأقارب, وبعد تعارف الناس على الميراث
أنزل الله آيات المواريث.
وأشار إلى قول العلماء بـ: هل آيات المواريث نسخت آيات الوصية,
باعتبار أن آية الوصية كانت تجعل صاحب المال يوزع ماله بطريقة مناسبة للوالدين
والأقربين, وذكرو أنه ما دامت آيات المواريث عمل بها فلا حاجة لآية الوصية، وهو
القول بنسخ آيات المواريث لآية الوصية.
ولكن جاء بعض الفقهاء ومنهم الإمام "ابن حزم الظاهري" قال
ليس فيها نسخ لآية الوصية, بل آيات المواريث تحدثت عن العصبات والفروض, أما آية
الوصية عن غير هؤلاء, ولذا لكي يعمل الإنسان بهاتين الآيتين يجب على صاحب المال
أن يوصي لغير الورثة بشيء من ماله؛ حتى يكون قد عمل بالآية الأولى ويترك الباقي
لورثته حتى يكون عمل بالآية الثانية.
هل المشرع المصري خالف أحكام الشريعة بفرضه الوصية الواجبة؟
واستكمل " فخر ": وهنا يأتي السؤال لماذ لم يأخذ المشرع المصري بهذه
الوصية إلا في أربعينيات القرن الماضي؟ ونجيب بأنه بعد الاستقصاء عن هذا وجدنا
أن قبل هذا الزمن بفترة كان اليتيم لا يشعر بيتمه, فالأسرة بالكامل كانت تعمل على
إعانته وكان أكثر حظًّا من غير اليتيم, فبحث المشرع المصري في هذه المسألة عندما
ساءت الأمور في زمن القرن الماضي وجد أن بعض الفقهاء أوجبوا الوصية الواجبة فقررها
المشرع حتى وإن لم يكن صاحب المال قرر لهم وصية قبل موته.
وختم أمين الفتوى حديثه عن نصيبهم بموجب الوصية الواجبة, مفسرًا أن نصيب
الولد أو البنت المتوفى عنهما والدهما أو أمهما لهما نصيب ما كانا سيأخذانه من
والديهما إن كانا على قيد الحياة سواء كانت بنتًا أو ولدًا, ولكن بشرط ألا يكون ذلك
فيما فوق الثلث, بحيث لا يتعارض مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية: "الثلث والثلث
كثير"، ويكون ذلك بموجب الوصية الواجبة, ولفت أخيرًا إلى أن المشرع المصري لم
يخالف أحكام الشريعة ولم يتعرض لأحكام الميراث؛ بدليل أنه حدد نصيب الوصية الواجبة
في كل من يستحقونها في الثلث وليس أكثر.