بقلم مريم النويمي: تواصل وشفافية لعلاقات على المدى الطويل

«القشة التي قصمت ظهر البعير» مثل عربي، يعود إلى قصة رجل حمل متاعًا ثقيلًا جدًا على جمل، حتى أُشير عليه بالتوقف، لكنه أصر على تحميله «قشة» واحدة أخيرة، فسقط الجمل أرضًا، لو أنه اكتفى بما حمله لمضى البعير حيث يشاء، هو لا يعبّر عن ثقل القشة نفسها، بل عن تراكم الأحمال التي سبقتها حتى لم يعد الجمل قادرًا على الاحتمال، الجمل الذي يُضرب به المثل لقوته وصبره على الأحمال عجز عن حمل القشة! لكل كائن طاقة محدودة على التحمل، ولا يحمل الله نفسًا إلّا وسعها، مهما كان قويًّا فله طاقة محدودة، وهنا القشة كانت هي القاضية. هكذا في حياة الإنسان والمجتمع؛ قد يتحمل المرء إلى أن تأتي لحظة صغيرة تُفجّر الموقف وتُظهر الانهيار الذي كان يتراكم بصمت.
يُستخدم المثل للإشارة إلى أن الانفجار أو الانهيار لا يحدث نتيجة سبب واحد مفاجئ، بل نتيجة تراكم طويل من الضغوط والمشكلات الصغيرة التي لم تُعالج في وقتها. فالقشة ليست السبب الفعلي، لكنها كانت «القطرة التي أفاضت الكأس».
هذه الفكرة تنطبق على الإنسان الذي يرهقه التوتر والظلم والإهمال، وعلى العلاقات التي تنهار بعد صبرٍ طويل، أو على الموظف الذي يقرر فجأة أن يترك عمله، قراره ليس وليد اللحظة إنما هو نتيجة تراكمات من الانتقاد أو الضغط الكبير، وفي لحظة وبفعل واحد ــ قد يراه البعض بسيطا ــ ينسحب، قد يبدو السبب الظاهري بسيطا، لكنه كان الحجر الذي أثار البركان.
من منظور نفسي، يعكس المثل ظاهرة الإرهاق العاطفي والنفسي الناتج عن التراكم المستمر للمشاعر السلبية، الإنسان لا ينهار بسبب آخر مشكلة واجهها، بل لأنها أضافت وزنًا صغيرًا فوق كاهلٍ مُثقل.
اجتماعيًا، يعكس هذا المثل أهمية إدارة الأزمات والوقاية المبكرة، إذ أن تجاهل التفاصيل الصغيرة يُحوّلها مع الوقت إلى أسباب كبيرة للانفجار، ودائمًا يجب على الإنسان أن يدرك حجم الضغوط التي يتحملها وأن يعرف متى تكون طاقته على وشك النفاد، بدلًا من إضافة المزيد من الأعباء إلى نفسه، التي تزيد من مستوى الكورتيزول في الدم وتؤثر على البشرة، الطاقة، القلب والشرايين والمناعة سلبيًا على المدى الطويل وكذلك يزداد الوزن، فقد فحص الباحثون بيانات رجال ونساء تبدأ أعمارهم من 54 عامًا شاركوا في دراسة عن التقدم في العمر. وخضع المشاركون لاختبارات، حيث يقدمون قصاصات من شعرهم كل عامين بداية من 2002 وخلال ست مراحل للدراسة، فحص الباحثون مستويات الكورتيزول المتراكمة في الشعر على مدار الوقت لدى 2527 رجلًا وامرأة، ووجدوا أن المشاركين الذين تزيد مستويات الكورتيزول في شعرهم يعانون من السمنة ومن الدهون الزائدة في محيط الخصر خاصة. القشة، كانت العبء الذي لم يستوعبه مستوى الكورتيزول وعجزت العظام التي أصابتها الهشاشة عن حمله.
المشكلات الصغيرة ليست تافهة، بل يجب التعامل معها بجدية قبل أن تتفاقم، التواصل والشفافية يخففان من تراكم التوتر بين الأفراد ويحافظان على العلاقات على المدى الطويل، وبالتأكيد الوقاية خير من العلاج، فإصلاح الخلل في بدايته أسهل من التعامل مع انهيارٍ كامل.