بقلم منصور الضبعان: حسن الخط في زمن «الكيبورد»
في الخامس الابتدائي، وحين لاحظ الأستاذ التونسي محمد عبدالسلام، الذي أتمنى لقاءه، تميزي في «التعبير»، قرر أن يقدّم دروس «تقوية» في «الإملاء» مساءً لمن يرغب، فالتحقتُ بها، وانتقلت للصف السادس وأنا أجيد التعبير دون أخطاء إملائية، ثم قال وهو يهز كتفي: يتبقى عليك «النحو» و«حسن الخط» وستصبح كاتبا إن شاء الله، فاللهم أحسن إليه وارزقه سعادة الدارين.
(2)
في الثالث متوسط، وجدت أمامي معلما مصريا، يدعى «جلال الجزيري». كان صارما دون قسوة، شديدا دون ظلم، قويا دون امتهان، يضرب سيئ الخط ويوبخه، ولهول ما رأيت منه وصلت الثانوية وأنا أكتب بشكل جيد، بل كان خطي سببا في قبولي في وظيفة، فاللهم ارزقه - وكل من علمني - سعادة الدارين.
(3)
حسن الخط موهبة، وفيه روح، ورائحة، وراحة، وذو تأثير، وفيه حفاظ على الهوية، ومضاد حيوي للاستلاب الثقافي، وصيانة الأمة. «الخط الجميل» ذو ثبات، وصمود، وأقوى للحفظ، ومداواة نفسية لكل قبح في هذه الحياة، وثقة بالذات لا تهتز.
(4)
للإنسان طاقة، وحدود لجهده، فإن لم يستطع فلا بأس، وإلا الواجب علينا، أفرادا ومؤسسات، أن نحث على حسن الخط، ونندب الناشئة إلى بذل قصارى الجهد للكتابة بشكل جميل، على الرغم من «الكيبورد» البارد!
(5)
ويكفي «حسن الخط» شرفا أنه باب رزق، وحرفة، وأمان في المستقبل، وقد تناقل العامة آثارا مثل قول علي بن أبي طالب: «الخط الجميل يزيد الحق وضوحا»، والحديث الموضوع: «عليكم بحسن الخط، فإنه من مفاتيح الرزق».
(6)
في خضم هذا العالم «المجنون»، تبقى الثورة الرقمية المعلوماتية مُهَدَّدة، فلا يغرنك بـ«الكيبورد» الغرور، فهو على كف عفريت، وعبدٌ ذليلٌ لتيار كهرباء، وحزمة إنترنت ناعمة.
(7)
في أحد فصول الباب الخامس من مقدمة ابن خلدون فصل في أن «الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية»، وقال ابن خلدون: «الكتابة صناعة شريفة؛ إذ الكتابة من خواص الإنسان التي يميَّز بها عن الحيوان».