بقلم سارة النانيه: الفئران وحلم الشباب الدائم

يبدو أن الفئران بدأت أخيرًا تجني ثمار عهود طويلة من إجراء التجارب العلمية عليها، وتحملها الكبير لتجارب الأدوية، وأتوقع أنها تشعر براحة كبيرة بعد ظهور نتائج تجارب واعدة لإعادة الشباب إلى العجائز من تلك الحيوانات، حيث تناقلت العديد من وسائل الإعلام خبر اختراق علمي كبير حدث في مختبرات بوسطن وفي معهد بلافاتنيك في كلية الطب بجامعة هارفارد، وأشارت نتائج التجارب التي أجريت هناك إلى أن أدويةً جديدةً استطاعت أن تعيد البصر إلى الفئران العمياء، وطورت تلك الفئران أدمغة أكثر ذكاءً وشبابًا، وبنت أنسجة عضلية وكلى أكثر صحة، وسط حديث عن إمكانية تطبيق التجارب ذاتها على البشر في المستقبل.
ولا شك أن حلم الشباب الدائم يراود الكثير من البشر منذ أقدم العصور، وحاول الناس محاولات حثيثة لاستعادة الحياة، أو الاستمرار بصحة جيدة طوال العمر، بل وصل الحال بقدامى المصريين إلى تحنيط أجساد موتاهم اعتقادًا منهم أنها ستعود إلى الحياة من جديد، ووضعوا متعلقات شخصية كثيرة في قبورهم لكي يستعملوها عندما يفيقوا من موتهم!
ولعل هذه التجارب الحديثة والواعدة أن تحقق حلم الكثير من الناس في هذه الأيام لأن يبقوا شبابًا طيلة أعمارهم، ولكن السؤال هنا لماذا نحلم بأن نبقى في شباب دائم ولا نصبح عجائز في يوم من الأيام؟
لعل الإجابة التي يجيب بها الكثيرون هي عدم الرغبة في المرض، أو تحمل آلام الشيخوخة، وما يصاحبها من تغير في الشكل، وظهور الشعر الأبيض، واهتراء البشرة، وضعف الذاكرة، وما يرافق تلك المشاكل من بعد للأصدقاء، ومغادرتهم للدار الآخرة تاركين وراءهم عجوزًا نخرته الأيام، وجعلته الوحدة يعاني من تقدمه بالعمر وسأمه من الحياة، وهذا المعنى عبر عنه الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى حين قال:
سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش
ثمانينَ حَولًا لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
ولعل الشاعر الجاهلي قد سئم من حياته الطويلة بسبب صعوبتها، وقلة التقنيات التي تسهل حياته اليومية، وبالتالي شعر بالسأم والتعب وتمنى الموت ليتخلص من آلامه وطفشه.
لكن ومن ناحية أخرى يمكن للإنسان أن يفكر في الشباب الدائم عندما يكون الشغف لديه كبيرًا في المزيد من العطاء، وبذل الكثير من الجهد لتحقيق أهداف تتعلق بنشر الخير، وإكساب الآخرين مزيدًا من خبراته وعلمه وفنه الذي تراكم وأصبح علامةً فارقةً، ويشكل فقده خسارة كبيرةً على البشرية، وبالتالي فهم الأولى بأخذ تلك الأدوية بعد نجاحها على الفئران مباشرةً، ونحن إن شاء الله من بعدهم.
أما من يريد الشباب لمجرد زيادة الاستمتاع بالحياة دون تقديم ما يفيده أو يفيد الناس، بل قد يكون شبابه وبالًا على البشرية، فلا ريب أن هذه الأدوية ينبغي أن تُحجب عن مثل هذه النماذج من البشر، حتى لا يزيدوا طينة الحياة بلةً هي في غنى عنها!
ولا ندري هل ستشعر الفئران بسأم زهير بعد عودة الشباب إليها، سؤال ينبغي أن نطرحه على علماء هارفارد، حتى لا يحدث ما نخشاه، وتسأم من الحياة، ونحتاج لدواء جديد لمعالجة سأم الفئران من الشباب الدائم.
نقلا عن الوطن السعودية
نقدم لكم من خلال موقع هير نيوز، أخبار وتقارير، صاحبة المعالى، منوعات، فن وثقافة، كلام ستات، بنات، هير فاشون، حوادث، رياضة، صحتك، مال وأعمال، توك شو، مقالات، دنيا ودين.