رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم فاطمة المزيني : # السفارة_السعودية

هير نيوز

بقلم فاطمة المزيني: #السفارة_السعودية.. لم تكن تغريدات هذا الوسم المتوهج مجرد ضجيج رقمي، بل كانت حراكاً شعبياً أعاد إحياء سؤال الهوية في زمن السيولة العالمية. ذاك الترند الذي انبثق كالشفق من عتمة الشكوك، ليعلن أن حماية المواطن السعودي ليست سياسة تدار من مكاتب الدبلوماسيين، بل هي عرق يسري في جسد الأمة، وضمير يوقظ الجغرافيا من سباتها. السعوديون، بتفاعلهم المحمل بدلالات عميقة، لم يناقشوا «حادثة» عابرة، بل فككوا - ببراعة لا واعية - معادلة القوة في العلاقة بين الفرد والدولة: نحن لسنا رعايا ننتظر الإنقاذ، بل شركاء في عقد وجودي، تسقط فيه الدولة كل ثقلها التاريخي لترسم حول أبنائها دائرة من النار.

بقلم فاطمة المزيني: #السفارة_السعودية.. التعليقات التي انهمرت كسيل من الرموز، من «جوازنا أخضر الدم» إلى «السفارة خطنا الساخن مع الوطن»، لم تكن مجرد ردود فعل عاطفية، بل كانت شيفرات تشرح كيف يتحول الوطن إلى كيان حي يحتضن أبناءه أينما كانوا، وهنا، يصير الجواز السعودي أكثر من وثيقة قانونية، إنه مفتاح لاستدعاء الوطن من الأعماق. والسفارة ليست مبنى إدارياً، بل هي امتداد جيو-روحي للحدود السعودية، تعيد تعريف السيادة بأنها «القدرة على اجتراح المستحيل لاسترداد ابن ضائع في متاهات النظام العالمي».

بقلم فاطمة المزيني: #السفارة_السعودية.. هذا التفاعل العفوي، الذي بدا كأنه احتفاء بانتصار دبلوماسي، كان في جوهره تمرداً على سرديات قديمة حاولت تصوير السعودي ككيان منفصل عن دولته. فالشعب الذي عاش عقوداً تحت وطأة محاولات تشويه منهجية، من إرهاب استهدف شبابه بالتجنيد إلى حملات إعلامية جعلته غريباً في عالمه، ها هو اليوم يكتب، بدمائه الرقمية، الفصل الأخير من ملحمة الصراع على معنى الهوية. السفارة السعودية التي وقت أبناءها من براثن التنظيمات الإرهابية في الماضي، تعود اليوم لتذكر العالم بأن حماية المواطن السعودي لم تكن يوماً خياراً سياسياً، بل هي جين متأصل في سلالة القرار السعودي.

بقلم فاطمة المزيني: #السفارة_السعودية.. اللافت أن هذا الزخم لم يكن ثمرة لخطاب سياسي موجه، بل كان انبثاقاً تلقائياً لوعي جمعي ناضج. ذلك أن الإصلاحات التي قادتها الرؤية السعودية لم تفرض كقرارات من قمة الهرم إلى قاعدته، بل نبتت كبذور في تربة المجتمع، وتلقاها السعوديون كحالة انبعاث جماعية جديدة. وهنا، يصبح الترند الرقمي شكلاً من أشكال «المقاومة» ضد كل محاولات التفكيك القديمة: مقاومة تعلن أن الحاضر الجديد يحول المواطن من رقم في الملفات الدولية إلى بطل في سردية وطنية تتكئ على ثنائية الحماية والانتماء.

بقلم فاطمة المزيني: #السفارة_السعودية.. التفاعل الذي بدأ كشرارة رقمية تحول إلى لهيب يحرق أسئلة القرن الـ20 عن مفهوم الدولة الحديثة. فالسعودية، عبر هذا الحدث، تجيب عن سؤال «ما الوطن؟» بلغة يفهمها جيل السوشيال ميديا: الوطن هو ذلك الكيان الذي يصل إليك قبل أن تصل إليه، الذي يظهر في أقسى لحظات اغترابك كحقيقة مطلقة لا تحتاج إلى إثبات. والشعب الذي حول الهاشتاق إلى هتاف وجودي، لم يكن يدرك أنه يعيد صياغة العقد الاجتماعي على طريقة هيجل: الدولة تحمي لتحيا، والشعب يحيا ليعيد إنتاج الحماية.

بقلم فاطمة المزيني: #السفارة_السعودية.. في العمق، لم يكن هذا الترند حدثاً عابراً، بل كان طلقة بداية لمرحلة جديدة من تأويل الذات السعودية. فالدولة التي حولت الأزمات التاريخية إلى منصات للانطلاق، تعيد اليوم تشكيل مفهوم السيادة، سيادة لا تقاس بحدود الجغرافيا، بل بقدرة الوطن على اختراق الزمن والمكان ليكون ظلاً يرافق أبناءه في كل خطوة. والمواطن الذي كان ينظر إليه كرقم في صراعات القوى الكبرى، ها هو اليوم، بمنشور بسيط، يحرك إبرة البوصلة نحو فلسفة جديدة تعلن أن قيمة الجواز السعودي تستمد من عمق التاريخ، ومن إرادة القيادة التي جعلته سلاحاً لا يهزم.

وهذا هو الدرس الأعمق: حين تتحول السفارة إلى أيقونة رقمية، والسوشيال ميديا إلى منبر شعبي يعيد تعريف الوطن، فإننا لا نواجه حدثاً إعلامياً، بل نشهد ولادة لغة جديدة للحوار تثبت أن السعودية، برؤيتها التي تجمع بين حكمة الماضي وجرأة المستقبل، نجحت في تحويل المواطن من كائن سياسي إلى «ظاهرة وجودية»، ظاهرة ترفض أن تكون مجرد رقم في معادلة، بل تصير المعادلة نفسها.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط