"باسنت": دور سخونة وراء ضعف سمعي.. وحرماني من "الحب" صدمني
الجمعة 08/يناير/2021 - 07:10 م
إسلام علام
فسخت خطوبتها الأولى لأنها لم تستطع إجراء مكالمات هاتفية مثل باقي بنات جنسها "تحب وتتحب"، كان يعتبرونها في الموصلات والمحلات غير مصرية لعدم فهم منطوقها، كانت تُجيب "نعم لستُ مصرية" لكي "تريح دماغها" على حسب قولها، وبعد تحديات كثيرة هنا وهناك، لجأت للكتابة فرارًا من مشقة السمع وتعثر الكلام، ولتفرض نفسها بكتاباتها طالما لا تستطيع بكلامها، إنها الكاتبة المصرية باسنت مدحت، ابنة الزقازيق محافظة الشرقية، والتي أُصيبت بضعف السمع وثقل النطق منذ طفولتها.
التقت بها "هير نيوز" في حوار خاص حول قصتها الخاصة والفريدة ولتعرضها لنا من بداية المحنة للوصول للمنحة وخروج كتابها الأول "همهمة حروف"، وإلى الحوار:
- احكيلنا عن بداياتك وكيف اكتشفتِ ضعف السمع وثقل النطق؟
أًصبت بضعف السمع في عمر الثلاث سنوات بسبب دور سخونة، وكنا مُقيمين بالمملكة السعودية، ولم يكن وقتئذ مُتاح أطباء سمعيات، ومن هنا بدأت معركة أهلي الحقيقية، فاضطروا للعودة لمصر للشروع في رحلة العلاج التي بدأت أول مراحلها في القاهرة، مع الدكتور صلاح سليمان، الذي استطاع تشخيص الحالة وأمر بتركيب سماعة "فوناك"، وكانت أمي وقتها كل ما يشغل بالها، هى باسنت لن تتكلم!، هل ستدخل مدرسة عادية أم ذوي الاحتياجات؟، هل ستنتمي لذوي الإشارة؟!، ولكن الطبيب كان صارمًا معها للغاية، وقال: "بنتك ضعيفة سمع وليست معدومة السمع، مما سيجعلها تستطيع الكلام".
"وبدأت المرحلة الثانية بالبحث عن أطباء وأخصائيين تخاطب، أتذكر كان دكتور التخاطب اسمه تامر من القاهرة، ووقتها كنا نعيش في الشرقية، فكنا نسافر أسبوعيًا لكي أتعلم النطق وإلى الآن مُحتفظة بالكراسة التي كان يعلمني فيها، وأنهيت دورة التخاطب حيث استطعت الدخول لمدرسة عادية، وكان هناك مدرس ابتدائي يدرس لي اللغة العربية وكان يذاكر لي حيث ساعدني في النطق ومخارج الحروف".
- ما أكثر الصعوبات والمخاوف التي واجهتك في الحياة؟
الصعوبات كانت بداية في مواجهة المجتمع ومدى تقبله لطريقة كلامي وضعف سمعي، إلا أنني استطعت مع الوقت الانسجام بعض الشيء وتفوقت في جميع المراحل التعليمية، حتى حصلت على 96% في الثانوية العامة شعبة علمي علوم، والتحقت بكلية التجارة، على الرغم أن حلمي كان الالتحاق بكلية الطب لأصبح طبيبة سمعيات لعلي أنقذ الأجيال القادمة ما فقدته في طفولتي.
وكان كلامي نص نص؛ ولكن ذهبت لدكتورة تخاطب ثانية لكي أعيد ضبط الكلام، ويكون أوضح وأعرف أتعامل مع الناس كلها وتفهمني، والناس كانت تعتبرني مش مصرية في المواصلات والمحلات كنت بقولهم أيوة مش مصرية وبريح دماغي.
أتذكر أنه في فترة ما كنت لاعبة هوكي، والصعوبة فيها أن الملاعب واسعة، حيث يتحدث الفريق كله مع بعضه البعض من مسافات بعيدة وكان يجب علي أن أسمع لتوجيهات الكابتن، وهذا صعب عليّ جداً إذ كنت بعيدة عنه لإنني اعتمد على قراءة الشفايف، كما كان صعب أسمع صوت الصفارة، مما عرضني لمعاملات غير لطيفة من الفريق، إلا نورة التي أتذكرها جيدا كانت تحنو علي وتعطني من وقتها لفهم الإرشادات ومعرفة ما يدور من حولي.
- كيف تغلبت على مشكلة العمل؟
بعد التخرج كانت أكبر مخاوفي كيف أحصل على عمل مناسب، أول مرة اشتغلت كنت أسافر كل يوم لأنني كنت شغالة في القاهرة وأنا من الشرقية، كنت خايفة جدًا من التعامل مع السواقين وإزاي أجري على المواصلات وأسابق الناس، فحليت هذه المشكلة بأنني كنت أركز كلامي على شخص واحد فقط وأحاول قراءة كلامه.
وفي الشغل كان من الصعب علي حضور الاجتماعات ذات العدد الكبير فكنت أعتمد على اثنين من الأصدقاء في الشغل، يقولون لي التفاصيل بهدوء حتى أستوعبها، وأوقات كنت أسال المدير نفسه حتى يفهم طبيعتي وظروفي الخاصة، لأني من حقي أعيش أيضا والآن أعمل محاسبة بمستشفى.
- ما المشاكل التي مازلت تواجهينها اليوم؟
المُشكلة حاليًا هي عدم استطاعتي لإجراء مكالمات تليفونية، فلا أستطيع تفسير الكلام ولهذا ألجأ لجعلها رسائل وليس هناك ما يمنعني من طلب المساعدة سواء من أهلي أو أصدقائي، وهي مشكلة قديمة عرضتني للكثير من الانكسارات النفسية، منها في خطوبتي الأولى فمن المعروف أنه من طقوس الخطوبة الرغبة في المكالمات مرارًا وتكرارًا ليلا ونهارًا حيث "نحب ونتحب"، وطبعًا هذا ما كان صعب أن يحدث فعند أول مكالمة تليفونية ولم استطع أن أجاريه في حديثه لم يحدث نصيب.
ولا أنكر أنني بعدها حاولت أتدرب على الكلام في التليفون ولكن كان صعب جدًا بالنسبالي، تفسير الكلام عندي ضعيف، ووقتها في 2011 و2012 لم تكن هناك سماعات جيدة تساعد في توضيح الكلام أكثر.
ولكن بعدها تزوجت من شخص آخر وهو حاليًا مترجم إشارة، وقت ما حصلت الموافقة وقراءة الفاتحة أخذ رقم تليفوني وعندما اتصل بي فلم أستطع الرد عليه وجلست أبكي قدري، وبعثت له برسالة حتى يفهمني ويقدرني، وظللت طوال فترة الخطوبة متوهمة أنه سيتركني في أي وقت إلى يوم الزواج، ولكن الحمد لله تزوجنا وأنجبنا ابننا آسر.
- كيف ولماذا لجأت للكتابة؟
رحلة الكتابة بدأت وأنا في ثانوية عامة، وكان جدي رشاد يشجعني على القراءة، كانت مجرد هواية ولم أركز فيها، لكن كنت أحب اللغة العربية الفصحى وأذاكرها منذ صغري باستمتاع، في فترة ما بعد التخرج وجدت نفسي مللت حياتي الرتيبة ولا أفعل شيئا مفيدًا، فبدأت الشروع في الكتابة بجد، ونشرت أول مقالة لي في مجلة كلمتنا وكانت انطلاقة بالنسبة لي، لأن مجتمع الكتاب الشباب لا يحمل في قلوبهم أحلام كبيرة وإنما أحلام جميلة تجعل البشر أرواحهم جميلة.
وكنت أصارع نفسي من بعد التخرج وإلى الآن، أنني لابد أن أكون شخصية مميزة ولي كيان وقدر وهذا لسبب واحد، أنني في وسط جلسة كبيرة وناس كثيرة تتحدث، كانت تقابلني مشكلة حقيقية أنني لا أستطيع مجارتهم ولا أتمكن من فرض وجودي، فرغبت أن أتميز، فلم أستطع التميز بحضوري فلجأت لكتاباتي، وأنا إنسانة أحب الخروج عن المألوف، وأحب أكتب أشياء جديدة ومميزة، وهذا ما فعلته ومازلت وسأظل أفعله دومًا، "عشان مش عاوزة أسيب الدنيا ومحدش فاكرني".
- عن ماذا يتحدث كتابك "همهمة حروف"؟
الكتاب هو رحلة كاتب، بدأت بسطرين إلى أن وصل لـ 10 إلى أن أصبح ألف سطر وسطر، يحكي عن تجربتي، وحكايات خيالية بالنسبة للقارئ ولكن أطبقها في حياتي.