حكم سرقة وصلات قنوات الدش المشفرة.. فتوى رسمية
الأربعاء 16/فبراير/2022 - 02:12 م
عبدالله أبو الخير
أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال وردها جاء فيه: "يقوم بعض الناس بالاستيلاء على خدمة "الأطباق الفضائية المشفرة" عن طريق التوصيل بإشارة هذه الأطباق، ويُبرِّرون بأَنَّ ذلك لا يُعَدُّ من السرقة، فهل كلامهم هذا صحيح شرعًا؟".
وأوضحت دار الإفتاء المصرية أن الأطباق الفضائية المشفَّرة: هي عبارة عن أجسام معدنية على شكل طبق، مصمَّمة لاستقبال الإرسال والبث المباشر والمعلومات عن طريق الموجات من الأقمار الصناعية بواسطة قمر صناعي للبث المباشر في مدار ثابت بالنسبة للأرض، ونقلها إلى التلفاز والعكس، فيقوم بتوفير مجموعة واسعة من القنوات والخدمات، وهو ما يعرف "بالدِّش"
اختلاف الفقهاء
وقالت الدار بأن خدمة توصيل "الأطباق الفضائية المشفرة" تُعَدُّ مِن المنافع المتقوِّمة؛ أي: التي لها قيمة في عُرْف الناس، والفقهاء مختلفون في كون مثل هذه المنافع أموالًا على قولين:
القول الأول
وأشارت الدار إلى القول الأول الذي هو لجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة؛ حيث يرون أَنَّ المنافع أموال؛ قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 87، ط. دار الكتب العلمية): [والمعروف من كلام العرب أن كل ما تُمُوِّلَ وتُمُلِّكَ فهو مال] اهـ، ذاكرين العديد من أقوال العلماء التي تدعم هذا القول.
القول الثاني
في حين أن القول الثاني والذي هو للحنفية و يرون فيه أنَّ المنافع ليست أموالًا، وإنما تَتَقَوَّم بالعقد، أو في باب الإجارة للضرورة، مشيرين إلى قول الكثير من العلماء ومنهم العلامة السرخسي في "المبسوط" (5/ 71، ط. دار المعرفة): [المنافعُ ليست بمالٍ متقوِّم، وإنما تَتَقوَّمُ بالعقد] اهـ.
وأوضحت الدار أنه إذا أخذنا بقول الجمهور فإنَّ الخدمة المقدَّمة من خلال توصيل خدمة "الأطباق الفضائية المشفرة" تكون من قبيل الأموال، وإذا اخترنا قول الحنفية في كون المنافع ليست أموالًا فإن الخدمة المقدَّمة من خلال توصيل خدمة "الأطباق الفضائية المشفرة" من قبيل المِلك والحق.
اقرأ أيضًا..
حكم سرقة المنافع العامة
وعلى هذا فإنه في الحالتين لا يجوز، موضحين ذلك بـ:"من المقرر شرعًا أنَّ المال والحق والملك مما لا يجوز الاعتداء عليه؛ ولذلك حرَّم الله تعالى السرقة والغصب وأكل أموال الناس بالباطل، وأوجب عقوبات دينية ودنيوية لمن يعتدي على أموال الآخرين وحقوقهم، فيجري فيها -أي: الأطباق الفضائية المشفَّرة- ما يجري في الملك الذي هو حقٌّ خالصٌ يختص به صاحبه مِن جواز انتفاع صاحبها بها على أي وجه مِن الوجوه المشروعة، وجواز معاوضتها بالمال إذا انتفى التدليس والغرر، وتحريم انتفاع الغير بها بغير إذن أصحابها، وحرمة الاعتداء عليها بإتلاف عينها أو منفعتها أو تزويرها أو انتحالها زورًا وكذبًا".
السرقة بأنواعها غير مباحة
وتابعت دار الإفتاء :"الإسلام الذي شرع القطع في السرقة من أجل حماية المجتمع من السرقة المادية، لا يبيح السرقة من أي نوع، أو يسكت عنها، فأيُّ سرقة للحقوق المعنوية محرمة شرعًا، ولكن لم يُعَيَّن لها عقوبة واضحة كما في سرقة النقود، وربما كانت عقوبتها التعزير".
التعدي على الحقوق
ووأردفت دار الافتاء:"التعدّي على الحقوق أكلٌ لأموال الناس بالباطل، والإسلام حرَّم أكلَ أموال الناس بالباطل وكلَّ المكاسب غير الشرعية؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ، و قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾.
وعَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» رواه البيهقي في "سننه" (6/ 166)، والدار قطني في "سننه" (3/ 26)، وأبي يعلي في "مسنده" (2/ 229).
حكم سرقة الأطباق الفضائية المشفرة
وفرقت دار الافتاء بين الخدمة المشفرة والمفتوحة:"كون هذه الخدمة –أي: توصيل "الأطباق الفضائية"- مُشَفَّرة؛ بحيث لا يستطيع أحد الدخول عليها إلَّا بعد فك التشفير، فإنَّ صاحبها بقيامه بهذا التشفير لا يُبِيحُ لغيره الدخولَ عليها إلا بعد إذنه، ويُعدُّ الدخول عليها بغير إذن تعدِّيًا وأكلًا لأموال الناس بالباطل، وقد نُهينا عنه بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيكُم كَحُرْمَةِ يَومِكُم هَذَا فِي شَهْرِكُم هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا»، هذا كلّه فيما إذا قام صاحب هذه الخدمة بالتشفير".
مشيرة إلى حالة كان صاحب الخدمة غير مُشفَّر لها، فإن استعمال الشخص لها حينئذ جائزٌ؛ وذلك لأن عدم تشفيرها من قبيل صاحبها أمارةٌ عُرْفًا على إذنه في الاستعمال؛ والإذن العرفي في الإباحة أو التصرف كالإذن اللفظي؛ تنزيلًا لدلالة العادة منزلة صريح القول، وقد أورد هذه القاعدة جمع من الفقهاء والأصوليين كالعز بن عبدالسلام في "قواعده" (2/ 126، ط. مكتبة الكليات الأزهرية)، وابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/ 297، ط. دار الكتب العلمية)، وابن قدامة في "المغني" (4/ 350، 8/ 425، ط. مكتبة القاهرة)، وفرَّعوا عليها جواز الاستناد إلى جدارِ الغير والاستظلال به، والاستمداد من محبرته؛ يقول الشيخ ابن القيم في «إعلام الموقعين» (2/ 298، ط. دار الكتب العلمية): [ومنها: الاستناد إلى جداره والاستظلال به، ومنها: الاستمداد من محبرته، وقد أنكر الإمام أحمد على مَن استأذنه في ذلك] اهـ.
وذلك مشروطٌ بعدم الإضرارِ بصاحب الخدمة؛ لأنَّ الإباحة هنا ضمنيةٌ لا صريحةٌ، وهي على خلاف الأصل، فلا يُتوسَّع فيها، ولا يُتَصَرَّف فيها تَصرّف المالك في ملكه.
وعلى هذا فإنَّه لا يجوز الاحتيال بالاستيلاء على خدمة "الأطباق الفضائية المشفرة" عن طريق التوصيل بإشارة هذه الأطباق، ويُعَدُّ ذلك –ما لم يأذن صاحب الخدمة- من أكل أموال الناس بالباطل وتَعَدِّيًا على ملك الغير.