الأحد 24 نوفمبر 2024 الموافق 22 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

الدكتورة جنان الخوري الفخري تكتب: المرأة العربية والجرائم الإلكترونية

الإثنين 17/يناير/2022 - 10:50 م
هير نيوز

يُعتبر اختراع الكومبيوتر، والهواتف الذكيّة والإنترنت، إحدى القفزات البشرية في القرن العشرين، إنما وبقدر ما يعتمد الإنسان، على هذه التكنولوجيات الحديثة، كضرورة من ضروراتِ الحياة، بقدر ما تُصبح حياته الخاصة، أكثر عُرضةً للتهديدات، والاعتداءات و"التطفّل"، والاستثمار، والاستغلال... مما يثير مسألة خصوصية الأفراد في الدول العربية، حيث لا تزال تحتل كل من الآداب العامة والحياة الخاصة، والعائلة مكانة أساسية في المجتمع العربي... عموماً، يُعتبر "الحق في الخصوصية"، أحد الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان، التي تُتثبت له، بمجرّد كونه إنساناً، وأحد أوجه حقوقه الأساسية، المُعترَف به في المواثيق والصكوك الدولية. بمعنى آخر، إنّ الحق في الحياة الخاصة، هو الحق في الحياة الأُسرية والداخلية، والروحية للشخص، عندما يعيش وراء بابه المُغلق، أي حياة هادئة بلا ازعاج أو قلق...


لقد باتت البشرية، تُواجهُ في العصر الراهن ظاهرةً إجراميةً حديثة، ذات امتداد فضائيّ، وعابر للحدود من خلال ما يُعرف بجرائم المعلوماتية، او "الإجرام الفضائي" Cybercrime؛ ولم تعد ضحية هذه الجرائم شخصاً منفرداً، رجلاً أم إمرأة،  بل برزت ضحايا متعدّدة النوعية والعددية، كأهم سلبيات هذا العصر، ومنها الآداب العام وهي الوجه الأخلاقي للمجتمع (فإن هُم ذهبت أخلاقهم فهم ذهبوا)، أيضاً الإنسان وحقوقه الإنسانية، الأخلاق العامة ومعاييرها،  الحضارات وقِيَمها، الثقافة ومكوناتها....


بشكل عام، تشكّل جرائم المعلوماتية، الجرائم الأكثر تعقيداً، غموضا وخِفية، وتُمثّل أنماطاً متعدّدة ومتنوّعة من السلوك الإجرامي، أبرزها: النصب الإلكتروني، الإبتزاز الإلكتروني، الاحتيال والخداع، التزوير، الغش، سرقة كلمة السر الإلكترونية، والدخول إلى مواقع الأفراد والتراسل باسمهم، أي انتحال صفة الغير، أو سرقة هوية الغير الإلكترونية...


وبالنسبة إلى ضحايا جرائم المعلوماتية، من المُتصوّر أنْ يقع ضحية هذه الجرائم، جميع الأشخاص، إنما تُشير إحصائيات الأسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا)، أنّ 95 % من جرائم التكنولوجيا وسائر الإعتداءات التي تتم في الفضاء السيبراني، تُرتَكَب بحق النساء، سواء من قبل الرجال أم من قبل النساء Men against women, ، Women against women...

ومما لا شك فيه أنّ حجم هذه الجرائم، هو رقم رمادي، فليس ثمة دراسات احصائية شاملة ودقيقة، بل هناك تقديرات، متباينة الحجم والموضوع. إلا أن هذه االتقديراتِ، مهما كانت مُتباينة ونادرة، فهي تُثبتُ حقيقةَ وجود جريمة معينة، تُسّبب أضراراً فعلية، للنساء اللواتي يَشْعرن تجاهها، بعدم القدرة على المواجهة.


كما تتمّ إساءة استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، لارتكاب جرائم ماسة بالآداب العامة، ومنها، الإعداد للاتجار بالرقيق الأبيض، أو الاتجار في الجنس البشري،  التحرّش وترويج الدعارة،  تحريض القاصرين على أنشطة جنسية غير مشروعة، واستغلال الأطفال والقاصرين، بث المعلومات المُضلّلة واستغلال الأطفال والنساء جنسياً، وإنتاج وتوزيع المُنتجات والأفلام الإباحية التي تَستغلهم لأغراض تجارية وتسويقية؛ ويُشار إليها بإسم "الصناعة الترفيهية للكبار". أيضاً بيع المُخدرات، والأدوية الطُبيّة والحبوب غير المرخّصة، والمُثيرة للاضطرابات العصبية والذهنية، وجمع الأموال بطريقة غير مشروعة.

نُشير إلى أنّ العلاقةَ بين المُخدرات والإنترنت وطيدة، ولا تُخفى على أحد من ترويجها، وتشجيع القاصرين والمُراهقين والشابات والأطفال، وحتى البالغين على تعاطيها، وتعلّم طريقة استنشاق الهيروين والكوكايين، والتعرّف على أسعارها، والصيغة الكيميائية للمنشّطات، وإظهارها بشكلٍ مُريح للأعصاب، والانتقال من العالم الواقعي إلى العالم الخيالي.... أضف "تسهيل وترويج المقامرة بوسائل الكترونية" Facilitating and encouraging online gambing عبر تملّك أو إدارة مشروع مقامرة على الإنترنت Owning and operating a gambling business online، أو التسهيل أو الترويج أو الدعاية والعرض (من دون إذن أو ترخيص)؛ أيضاً "ترويج  شرب الكحول على الإنترنت"providing alcohol to minors online، ولاسيما تحريض القاصرين على شربها وعلى السُكر... كما انّ "التحريض على القتل"، والتحريض على الانتحار وطريقة التحضير له، هي من الجرائم الرائجة على الإنترنت.

في السياق عينه، نُشير إلى أنّ هناك العديد من الأفرد، يُعدون، أو يهيئون، أو يرسلون، أو يخزّنون، أو يروّجون، عن طريق الإنترنت أو ما في حكمها، محتويات مخلّة بالحياء أو النظام العام أو الآداب، كالمواد الإباحية، والكلام المنافي للآداب، والصور الفاضحة، الكتابات، الأفلام، الإشارات)، أو تخزينها (في ذاكرة الحاسوب أو الهاتف النقال)، ترويجها، أو إرسالها، أو نشرها (عبر بريد إلكتروني، رسالة قصيرة، أو أي وسيلة إلكترونية أخرى) ...مما يخدش شعور الرأي العام، وينتهك أخلاقيات مجتمعنا العربي.

 

لا بل إنّ "جرائم الاستغلال الجنسي للقاصرين" Sexual abuse of minors، تنمّ عن انحطاط في الأخلاق، وإباحية في التعامل مع القاصرين، وتستوجب أشدّ العقوبات الجنائية، لا سيما جريمة "تحريض القاصر على الأنشطة الجنسيّة غير الشرعيّة، أو غير المُباحة" (مع الغير سواء مجاناً أو بِعوَض)، وجريمة التحرّش الجنسي بالقاصرينCyber sexual harassment against minors ، (من قبل الجاني، أيضاً سواء مجاناً أو بِعوَض).

ايضا هناك من ينتهك حرمة الحياة الخاصة لا سيما حرمة العائلة، وصورة المرأة العربية، والإعتداء علــــــــــي المبادئ الأســـــــــــــــــــــــــرية، أو نـــــــــــــــــــــشر صور، أو أخبـــــــــار، تتصل بحرمة الحــــــــــــــــــــــياة الــــــــــــــــــــــــخاصة للأفراد ولو كانت صحيحة، تشمل حتى الصــور العادية الصحيحة فــنشرها يعد غــــــــــــــــير مشروع ما دام صـاحبها يرفض هذا النشر، أو اذا لم يُطلَب اذنه لنشر هذه الصور أو الأخبار. واذا ما طُلب محو او الغاء هذه الصور الشرعية او غير الشرعية، أحيانا  الناشر لا يستجيب... ما يسيء الى سمعة الآخرين لا سيما النساء منهم... إضافة إلى القدح، والذم، والتشهير، والسباب عبر الوسائل الإلكترونية،  وجرائم تهديد النساء، بإفشاء أسرار تمسّ الشرف والسمعة والإعتبار، أو فبركة هكذا أخبار كاذبة، وهي من الجرائم الرائجة وسريعة الانتشار على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.

كما تستغل الانترنت للاطلاع على أسرار الفرد الخاصة لا سيما النساء، ولانتهاك خصوصياتهم، وما يرتبط بها، من حقوق الأشخاص، في الجرائم المتصلة بسرقة الهوية، مما يشكّل خرقاً تقنياً متطوراً، لحرمة الآخرين وخصوصياتهم الفردية، واعتداءً على حياتهم الخاصة من خلال التنصّت، التصوير، التسجيل، توزيع صور أو معلومات مخالفة للقانون أو الأخلاق او داعية إلى الكراهية أو ماسة بحقوق الإنسان، أو محو معلومات شخصية وبثها فضائيا، للتشهير والنشر....

 

قبل الختام، نُشير إلى أن المجتمع العربي، قد بدأ خطواته الأولى في سبيل مكافحة مخاطر التكنولوجيا الحديثة، لكن في الواقع، لا بدّ من اتخاذ العديد، من الاستراتيجيات الوقائية والعلاجية، أهمها ضرورة تعاون المجتمع المدني، لا سيما وسائل الإعلام المرئية والمَسموعة، وسائر مواقع التواصل الاجتماعي، في سبيل توعية الرأي العام لمزايا المعلوماتية، والاستفادة منها، وتجنّب سلبياتها، والتركيز على أخلاقيات التعامل عبر شبكة الإنترنت، وأهمية رفع درجة الوعي بمخاطر المعلوماتية بشكلٍ عام، وإيجاد ثقافة عربية  للأمن السيبراني Cybersecurity، لا بل للأمن السيبراني Cybersafety... لأنّ التكنولوجيا في تطور مستمر، وقد تتفاعل مخاطرها في المستقبل.

ads