اعرفي فقيها.. الليث بن سعد.. سيدنا وعالمنا
يزخر التاريخ الإسلامي بفقهاء أثروا الدنيا بعلمهم وفقهم فكانوا نبراسا أضاء الطريق للمسلمين على مر العصور.
«هير نيوز» تقدم لكِ على مدى حلقات متتابعة سيرة عدد من أبرز فقهاء الإسلام:
يتناول الشيخ حلمي عباس الواعظ بالأزهر الشريف اليوم شيخ الإسلام الإمام الحافظ أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي وهو فقيه ومحدث وإمام أهل مصر في زمانه ولد سنة 94 هجرية في قرية قلقشندة وأسرته أصلها فارسي من أصبهان.
ويُعد إمام أهل مصر في الفقه والحديث أحد أشهر الفقهاء في زمانه، فاق في علمه وفقهه إمام المدينة المنورة مالك بن أنس، غير أن تلامذته لم يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الآفاق، مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، وكان الإمام الشافعي يقول: «اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ». بلغ مبلغًا عاليًا من العلم والفقه الشرعي بِحيثُ إِنَّ مُتولِّي مصر، وقاضيها، وناظرها كانوا يرجعون إِلى رأيه، ومشُورته. عرف بأنه كان كثير الاتصال بمجالس العلم، بحيث قال ابن بكير: «سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً».
عرف بأنه كان كثير الاتصال بمجالس العلم، بحيث قال ابن بكير: «سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً».
أخلاقه وصفاته
ومما كان يتميز به الإمام الليث أنه كان ذا ثروة كثيرة ولعل مصدرها الأراضي التي كان يملكها، لكنه كان رغم ذلك زاهدًا وفق ما نقله معاصروه، فكان يُطعمُ النَّاس في الشتاء الهرائس بعسل النَّحل وسمن البقر، وفي الصيف سويق اللوز في السُكَّر، أما هو فكان يأكل الخبز والزيت. وقيل في سيرته: إنه لم تجب عليه زكاة قط لأنه كان كريماً يعطي الفقراء في أيام السنة فلا ينقضي الحَول عنه حتى ينفقها ويتصدق بها.
نشأ الليث بن سعد طالبًا للعلم، حريصًا على أن يتلقاه من الشيوخ والعلماء؛ فطاف البلاد كثيرًا لأجل هذا الأمر.
ومن أبرز صفاته الكرم والسخاء، فمع كثرة علمه وفقهه وورعه كان الليث بن سعد (رحمه الله) كريما معطاءً، حتى عرف بهذه الصفة وصارت من سجاياه التي لا تنفك عنه بحال من الأحوال.
قال الصفدي: "وكان - أي الليث - من الكرماء الأجواد. ويقال: إن دخله كان كل سنة خمسة آلاف دينار، وكان يفرقها في الصلاة وغيرها". وقال منصور بن عمار: "أتيت الليث فأعطاني ألف دينار، وقال: صن بهذه الحكمة التي آتاك الله تعالى". وجاءت امرأة إلى الليث فقالت: يا أبا الحارث، إن ابنًا لي عليلٌ، واشتهى عسلاً. فقال: "يا غلام، أعطها مِرْطًا من عسل". والمرط: عشرون ومائة رطل.
أسند الليث عن خلق كثير من التابعين كعطاء، ونافع، وأبي الزبير، والزهري. وقيل: إنه أدرك بضعا وخمسين تابعا.
روى عنه خلق كثير، منهم ابن عجلان شيخه، وابن لهيعة، وهشيم، وابن وهب، وابن المبارك، وعطاف بن خالد، وأشهب، والقعنبي، وحجين بن المثنى، وسعيد بن أبي مريم، وآدم بن أبي إياس، وأحمد بن يونس، وشعيب بن الليث ولده، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن عبد الحكم، ومنصور بن سلمة، ويونس بن محمد، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويحيى بن يحيى الليثي، وعمرو بن خالد، وعبد الله بن يوسف التنيسي.
من أبرز مؤلفاته كتاب التاريخ، وكتاب المسائل في الفقه.
كبير الديار المصرية
قال أبو حاتم: "هو أحب إليَّ من مُفَضَّل بن فَضالة". وقال أبو داود: "حدثني محمد بن الحسين، سمعت أحمد يقول: الليث ثقة، ولكن في أخذه سهولة". وقال سعيد الآدمي: "قال العلاء بن كثير: الليث بن سعد سيدنا وإمامنا وعالمنا".
وقال ابن سعد: "كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه". وقال ابن تغري بردي: "كان كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير من بها في عصره، بحيث أن القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته".
وفاته
كانت وفاته (رحمه الله) يوم الجمعة 15 من شهر شعبان 175هـ/ 16 من ديسمبر 791م. قال خالد بن عبد السلام الصدفي: "شهدت جنازة الليث بن سعد مع والدي، فما رأيت جنازة قَطُّ أعظم منها، رأيت الناس كلهم عليهم الحزن، وهم يعزِّي بعضهم بعضًا، ويبكون؛ فقلت: يا أبتِ، كأنَّ كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة. فقال: يا بُنيَّ، لا ترى مثله أبدًا".
اقرأ أيضًا..