الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

نساء صنعن رجالًا.. صفية العابدة تفرغت لتربية وليدها اليتيم فكان الإمام أحمد

الجمعة 16/أبريل/2021 - 11:08 م
هير نيوز


هناك نماذج كثيرة لأمهات فقهاء وأئمة نجحن في تربية وتخريج أجيال من العلماء تعلم العالم على يديهم.

هيرنيوز تقدم لك اليوم نموذجا لأم عظيمة وامرأة صالحة عابدة، صنعت نموذجًا مشرفًا في التحدي والعزيمة والإصرار، وضربت مثالًا رائعًا في التضحية والإيثار، تحملت الصعاب بمفردها حتى حققت ما كانت تتمنى، وأهدت إلى الدنيا عالم أهل السنة، وأحد أئمة المذاهب الأربعة الإمام أحمد بن حنبل. 

إنها السيدة الفاضلة صفية بنت ميمونة بنت عبدالملك بن شيبان، توفي زوجها محمد بن حنبل شابًا في الثلاثين من عمره، وكانت في العشرين من عمرها، وكان من الأمور المتعارف عليها في تلك الفترة أن تتزوج المرأة إذا ترملت أو طلقت، وكان غالبية نساء العرب يفضلن الزواج إذا مات الزوج صونًا للعفة وحفاظًا على السمعة، لكن صفية لم تفعل، ورفضت الزواج بعد وفاة زوجها رغم أنها كانت ما تزال في ريعان شبابها. 

وهبت صفية حياتها كلها لرعاية وتربية وتعليم طفلها اليتيم، واختارت أن تترمل من أجله في سن الشباب، وقررت أن تملأ على ولدها حياته حنانًا وأنسًا، وحرصت على أن ينشأ على حب الله ورسوله. 

كانت السيدة صفية تحلم بأن ترى ابنها من علماء الإسلام الذين يرفعون رايته في مشارق الأرض ومغاربها، دفعته في سنوات طفولته الأولى إلى المسجد للتعبد وتلقي العلم، قال الإمام أحمد: كانت أمي تلبسني اللباس، وتوقظني، وتحمي لي الماء قبل صلاة الفجر وأنا ابن عشر سنوات، تتخمر وتتغطى بحجابها وتذهب معي إلى المسجد، لأنه كان بعيدًا، ولأن الطريق كان مظلمًا. وكانت صفية تبقى مع صغيرها حتى منتصف النهار، وهو يتلقى العلم والتربية الإسلامية الصحيحة على يد كبار علماء وأئمة عصره، فحفظ كتاب الله، واستوعبه، وأصبح عابدًا لله، وأتم حفظ القرآن بعمر عشر سنوات.

تشجيع وعناية
ومن خلال تشجيع وعناية فائقة من صفية، واصل الإمام أحمد بن حنبل طريقه إلى تحصيل العلم والتفقه في أمور الدين، حتى بلغ السادسة عشرة، وهنا طلبت منه أن يهاجر بحثًا عن طلب العلم، وتحصيل أحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، وتغلبت على عاطفة الأمومة، ولم توهن من عزيمة ابنها وتكبله بقيود الخوف عليه من المجهول رغم أنه الابن الوحيد لها، وسلمت أمرها وأمره إلى الله يحدوها الأمل الكبير بأن تراه ذا شأن عظيم في العلم. 

مضى الإمام في طريق العلم، ومن خلفه أمه تشجعه وتسانده وترعاه حتى أصبح أحد أعلام الدنيا وأئمة الإسلام.

“يقول الإمام أحمد بن حنبل: حفظتني أمي القرآن وأنا ابن عشر سنين وكانت توقظني قبل صلاة الفجر وتُحمي لي ماء الوضوء في ليالي بغداد الباردة، وتُلبسني ملابسي، ثم تتخمر وتتغطى بحجابها، وتذهب معي إلى المسجد؛ لبعد بيتنا عن المسجد ولظلمة الطريق”.

هكذا يتحدث الإمام أحمد بن حنبل عن أمه التي غرست فيه غراس الإيمان منذ الصغر ليصبح فيما بعد إمامًا لأهل السنة والجماعة؛ وليجمع بين علوم الشريعة وعلى رأسها الفقه والحديث وبين الزهد والورع، وليثبت بالتجربة العملية أن الزهاد والمتصوفة لا يرتقون مراتب الفضل إلا بعد أن يزينوا زهدهم بالعلم والفقهحتى يعبدوا الله عز وجل على بصيرة، وبما شرع رسوله الكريم ولا يُحدثوا في الدين بدعًا.

الابن البار

يذكر أن الإمام أحمد بن حنبل ولد يتيما حيث توفي أبوه وهو في بطن أمه.

اقرأ أيضًا: ليلى القرشية.. أول مُعلمة في الإسلام

وعندما بلغ السبعين من العمر لم تنسه السنون بره بأمه وبأرحامها وأقاربها، بل لم يتوقف عن ثنائه عليها، ويحدث الناس عن أمه فيقول: رحم الله أمي، كلما تهيأت لصلاة الفجر تذكرتها، فقد كانت تجهز لي ثيابي ووضوئي وتقف على الباب حتى ترى الخيالة (شرطة الأمن) فإذا رأت الخيالة اطمأنت وأطلقتني ودفعت إليّ فطوري، وأوصتني بالدرس بعد الصلاة.

ومما ينسب إلى الإمام أحمد بن حنبل قوله: بر الوالدين كفارة الكبائر، وقد عاش حياته يترجم هذا القول إلى واقع من شدة بره بأمه وحبه لها.

ads