ماجدة الجندي تكتب: «حلوة الإنسانية ».. مفيش كلام!
الأربعاء 16/يونيو/2021 - 09:22 م
تهيمن علىّ فكرة عطية الله التي تتجسد في صورة إنسانية، تضفر البشرية بالقداسة وتلوح دونما انتظار فكأنها من تجليات الرحمن على الأرض وتستعيد من خلالها طعم الإنسانية، مرددًا "حلوة الإنسانية مفيش كلام".. عطية الله قد تكون إنسانًا.. موقفًا.. لحظة، قبلة حياة أو حياة تهب حياة... مهما اكفهرت الظروف، شيع الناس قبل أيام أم أنجلو. إلى مستقرها المختار في تونس، بالفيوم، أم أنجلو أو الفنانة الخزافة السويسرية الأصل، المصرية الموطن: إيفلين بوريه، التي استلهمت من اللعب بالطين بين الأنامل القروية، معراجًا صعد بالفلاحين والفلاحات إلى سماوات الفن. تجل من تجليات عطايا الرب... حمل رجال القرية جثمانها وتعالت صيحات النسوة مع السلامة يا أم أنجلو.. وتناثر الصغار شاخصين إلى الإنسانة التي غيرت وجه حيوات آبائهم و حيواتهم، بل وانتشلت محيطًا إنسانيًا كاملاً، لا ولدت فيه ولا كانت بنت ثقافته، لكن رباطها والعروة الوثقى التي ربطت السويسرية وفلاحى الفيوم، كانت لغة تفوق فى بلاغتها وعمقها وبراءتها ونقائها، علاقة الدم والعرق والجنس واللون.. هى لغة الإنسانية... العابرة فوق كل الحدود. لكن يعنى أى إنسانية..؟ هذا مقام وإن كثر استخدامه وفاض الكلام عنه، وبدا للوهلة الأولى بسيطا بديهيا فإن محاولات شرحه والتعريف به، ليست الا السهل الممتنع ولدت وعاشت وتعلمت فنون الخزف في مسقط رأسها بسويسرا، دون أن تستشرف أن إنسانيتها سوف تتوهج فى قرية مصرية بمحافظة الفيوم اسمها تونس وأنها سوف تغير حياة ناسها عبر نصف قرن أو يزيد عاشت بين أهلها تعيش عيشتهم.. ابنة لفضاء إنساني أرحب منذ أسست ورشة تحولت الى مدرسة لتعلم الفلاحين فن الخزف فيصبحون مصدر إلهام يجوب الدنيا.. فى فيلم تسجيلى تقول إن الذي غير وجه الحياة فى قرية الفيوم ليس اللوكاندات ولا السياحة لكنه الفخار، الخزف الذى جعل الرزق ينساب والخير يعم وتصبح تونس، قرية الفيوم، ليس فقط زيرو بطالة، بل واحة للجمال يسعى إليها بشر من كل الأنحاء، فتتأسس مسارات وأرزاق.. لوكندات ومحلات ومطاعم ويتحول وجع الحرمان وشظف العيش إلى رغد و كرامة انسانية وطمأنينة.. استئصال الوجع دونما سؤال عن الجنس أو اللون أو العرق هو الذي يدفع بالقديس مجدى يعقوب لأن يكون بعلمه وكده وماله وصحته، خادما للموجوعين، ليس فى مصر وحدها بل فى ادغال أفريقيا وأحراش ربما لا نعرفها فوق الخرائط.. وهو ما جعل من محمد غنيم أيقونة لا يرى فارقا بين الفقراء والأغنياء فى عند الوجع .. حلوة الإنسانية مفيش كلام، فإذا بعطايا الرب.. مؤخرا اكتسحت حملة انقاذ الطفل رشيد المصاب بمرض نادر هو ضمور الأعصاب الشوكي، والذي يحتاج إلى حقنة ثمنها مليون دولار وربع ، فإذا بكل الوسائط، تتوهج انسانية، واذا بمن يتطوع بعمل عملية حسابية بسيطة، كم مساهم نحتاج لو دفع كل واحد 240 جنيها، وإذا بحسابات بنكية تنشئ وتحويلات من جوه وبره ويدخل المئات والآلاف ويتحول حلم انقاذ رشيد الى فكرة انشاء صندوق لهذا المرض النادر.. حلوة الإنسانية مفيش كلام.. عطية الله، يرتبط فى ذاكرتى باسم الراحلة السيدة التي قاسمت الأستاذ نجيب محفوظ حياته، لكن الايام والتجربة، جعلت من عطية الله فكرة .. معنى حاضرا، متجسدا فى صورة تجمع ما بين البشر والقداسة.. فجأة يظهر من حيث لا تدري.. ينتشلك من جب كرب تتصوره بلا قرار .. مجدى يعقوب عطية الله.. محمد غنيم.. أم أنجلو.. ومن لا تنشر الصحف صورهم.. وهناك بشر أشبه بالمعجزات الربانية، هم أغنى الأغنياء بإحساسهم بالبشر وهم سفراء وجسور يأخذون المبادرة قدر ما يستطيعون، فتجسدت فيهم عطية الله.. حلوة الإنسانية مفيش كلام..
الأهرام