الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

«الجنس الحلال» وسيلة التوانسة للهروب من ارتفاع تكاليف الزواج

الإثنين 08/فبراير/2021 - 10:42 م
هير نيوز

ظل الحديث عن الزواج العرفي لسنوات من المحظورات في تونس، لكن بعد الثورة وما منحته من حريات، أصبح الزواج العرفي "ظاهرة" لدرجة أن البعض أطلق عليه "الجنس الحلال"، وطبعًا قد لا يكون عليه أيّة إلتزامات قانونية أو إرث؛ وذلك لأن القانون التونسي يمنع الجمع بين زوجتين ولا يعترف إلا بالزواج الموثق رسميًا عند كتاب العدل.

وقد كشفت دراسة أكاديمية أجريت على طلبة الجامعات التونسية بعد الثورة، أن 80% من الطلبة السلفيين متزوجون عرفيًا، كذلك الحال بالنسبة لـ20% من الطلبة المتعاطفين معهم.

وأكدت الدراسة التي أعدّتها مجموعة من طلبة الماجستير في خمس كليات (الآداب بمنوبة، والعلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس والطب بتونس والعلوم بتونس والشريعة)، أن نسبة 30% من الطلبة المؤيدين للزواج العرفي يُحسبون على التيار السلفي أو متعاطفون معه، ويرون أن "الزواج العرفي هو زواج شرعي، بل هو الحل الشرعي للعلاقات الجنسية المنتشرة في صفوف الطلبة".

كما رصدت الدراسة أن ما بين 700 و800 حالة زواج عرفي بين الطلبة فى حين هناك المئات لم يتم رصدها، مشيرة إلى أنه ليس بوسع أيّة جهة تحديد مقدار انتشار الظاهرة؛ لأن الطلبة المتزوجين عرفيًا يحيطون زواجهم بسرية تامة خوفًا من وقوعهم تحت طائلة القانون أو من افتضاح أمرهم لدى عائلاتهم التي لا تعلم بزواجهم.

وأشارت الدراسة إلى أن التقاء الأفكار الدينية السلفية مع الجذور الاجتماعية الفقيرة للطلبة، إضافة إلى انتشار ممارسة الجنس خارج إطار الزواج هي عوامل ساهمت بشكل كبير في بروز الزواج العرفي كظاهرة جديدة في الجامعات التونسية.

وأوضحت الدراسة أن 90% من المتزوجين عرفيًّا ينحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة وهم قادمون من أحياء شعبية أو من جهّات داخلية محرومة، في حين ينحدر 10% منهم من عائلات تنتمي إلى الطبقة الوسطى التي تعرّضت بعد الثورة للتهميش الاجتماعي والتفقير.

ويرى مراقبون أن ظاهرة الزواج العرفي في تونس لم تكن وليدة الثورة، بل فقط خرجت من الظلمة إلى النور أي من السرية والكتمان خوفًا من العقاب القانوني إلى العلنية، فوجدت شريحة تحتفي بها وتدافع عنها باسم الدين وتتكون بشكل أساسي من شباب التيار السلفي وهكذا، تفاقمت الظاهرة داخل الجامعات التونسية التي تشهد بدورها حضورًا متزايدًا للتيار السلفي.

من جانبها، أرجعت راضية النصراوي، الناشطة الحقوقية، تفشّي ظاهرة الزواج العرفي في تونس إلى طبيعة القانون التونسي أولًا وصعود الإسلاميين إلى الحكم بعد الثورة مرة أخرى.

- بحث عن الحلال؟

ويشترط القانون التونسي حتى يكون عقد الزواج صحيحًا، أن يبلغ الطرفين السنّ القانونية، وإشهار الزواج ووجود شهود عليه، وأخيرًا تثبيت هذا العقد في السجلات الرسمية لدى عدول الإشهاد (الكتّاب العدل) أو ضباط الحالة المدنية.
 
كما يُجرّم القانون كل صيغ الزواج التي لا تستجيب للشروط القانونية والمدنية ويعتبرها باطلة، ومنها بالطبع الزواج العرفي الذي لا يشترط حضور شهود ولا يوثق رسميًا وينعقد بمجرد كتابة عقد غير قانوني بين طرفين من دون الإقرار بأي حق للزوجة.

وعلى الرغم من صرامة القانون التونسي وتجريمه الزواج العرفي أو الزواج بامرأة ثانية، شاع الزواج العرفي، لدرجة أن إحدى طالبات كلية العلوم تبلغ من العمر إحدى وعشرون سنة، أعربت عن قناعتها التامة بفكرة الزواج العرفي واعتبرته زواجًا شرعيًا وخطوة أولى في انتظار إقرار هذا الزواج بعقد قانوني بعد التخرج ودخول سوق العمل لتستجيب لرغبة عائلتها وأعراف مجتمعها.

وأرجعت الطالبة لجوئها للزواج العرفي إلى صعوبة ظروفها الاقتصادية التى تحول بينها وبين الزواج الرسمي نظرًا إلى ارتفاع تكاليفه، وتضيف أن الزواج العرفي أتاح لها فرصة العيش مع حبيبها ومشاركته في حياته وسكنه. 

ونفس الحال تعتبر زميلة لها في الكلية نفسها وتبلغ من العمر عشرين سنة، أن هذا الزواج هو الحل الأمثل الذي يتيح لها إقامة علاقة جنسية مع زميلها الذي تجمعها به علاقة حب قوية منذ سنوات، وتقرّ بأن علاقتها به مهددة ولا سبيل لإنقاذها إلا بالارتباط به، وكون تربيتها الاجتماعية والدينية لا تسمح لها بالاستجابة لرغباتها الجنسية جعلها تعيش حالة من القلق النفسي والتمزق بين رغبتها في تلبية حاجاتها الجنسية وبين سلطان المبادئ والقيم التي تربّت عليها.

وتؤكد طالبة أن هذا الزواج فيه حلًا شرعيًا للعلاقات الجنسية التى انتشرت في الجامعات التونسية وفي المجتمع التونسي.

- نظرة اجتماعية

ويقول طارق بلحاج محمد، الباحث في علم الاجتماع: "إن صيغة الزواج هذه تنتشر في كل الشرائح الاجتماعية، وليست حكرًا على العازبين دون سواهم، بل هناك كبارا ومتزوجون بشكل قانونى ومتزوجون عرفيا هروبا من القانون، وأصبح هذا الزواج العرفي بأنه آلية لشرعنة العلاقات الجنسية "الزنا" المنتشر بكثرة في المجتمع التونسي ذلك أن 80% من الشباب و67% من الشابات يمارسون الجنس خارج إطار الزواج برغم "أن التونسيين في قرارة أنفسهم غير متصالحين مع فكرة "العلاقات المحرمة" بحكم الوازع الديني وتربية الحلال والحرام وثقل الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يتعارض أحيانًا مع الصورة المتحررة التي تظهر بها بعض الطبقات الاجتماعية".

ويرى الباحث أن الزواج العرفي يشكّل ملاذًا لتلبية حاجات جنسية وتجنّب عقدة الإحساس بالذنب وتأنيب الضمير إزاء الوازع الديني، مشيرًا إلى أنه يعتبره خيانة زوجية صريحة من المتزوجين لأنه يكون سريًا دون علم الزوجات والأهل ويشترط ألا يكون هناك إنجاب أطفال.

ويقول الدكتور معز بن حميدة، أستاذ علم الاجتماع، "إن سبب هذه الظاهرة المنتشرة بين المتدينين والعلمانيين على السواء هو تأخّر سنّ الزواج وارتفاع تكاليفه والخوف من العنوسة كلها عوامل تقف وراء تفشي الزواج العرفي بالإضافة إلى تشوّه صورة الزواج كمؤسسة اجتماعية وما يصاحبه من مشاكل وتوترات في العلاقة بين الأزواج، إضافة إلى زيادة نسب الطلاق بشكل مخيف خلال الفترة الماضية".

وأضاف "بن حميدة"، أن من الأسباب الموضوعية لانتشار الظاهرة هو انفتاح المجتمع التونسي على المجتمعات الغربية وما أفرزته العولمة من تحطيم لعادات وتقاليد إلى حد أصبح معه العديد من التونسيين يعيشون دون ضوابط أو موانع.

واعتبرت الناشطة مريم كمون، رئيسة جمعية "نساء تونس"، أن انتشار الظاهرة هو انتكاسة لمكاسب المرأة التونسية ومكاسب المجتمع الحداثية من خلال عملية استيراد الإسلام الوهابي على حساب المذهب المالكي نتيجة الزيارات المتتالية للدعاة من المشرق والخليج إلى تونس، ونتيجة فتاوى الفضائيات التي تسوق للفكر الوهابي".

ويرى الشيخ عثمان بطيخ، مفتي الديار التونسية، أن الزواج العرفي لا يعدو أن يكون إلاّ "زنا وخناء وسفاحًا" لغياب أركان وشروط الزواج الصحيحة، مشدّدًا على براءة الإسلام من إباحة هذا النوع من العلاقات.

«الجنس الحلال» وسيلة التوانسة للهروب من ارتفاع تكاليف الزواج

«الجنس الحلال» وسيلة التوانسة للهروب من ارتفاع تكاليف الزواج