السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

زوج: "أمي تطالبني بتطليق زوجتي؟".. الإفتاء تجيب

الجمعة 15/يناير/2021 - 03:27 م
هير نيوز


يواجه بعض الأبناء مشكلة صعبة بين واجب برِّ الوالدين، واستمرار الحياة الزوجية وما يتبعها من فوائد للفرد والـمجتمع، ويحدث ذلك إذا علَّق الأب أو الأم خاصة رضاهما بطلاق ابنهما لزوجته، وهنا تحدث الحيرة للابن ولا يدري أيهما يقدم طاعة الأب والأم وهدم بيته، أم عدم طاعتهما وهو ما قد يتسبب في غضبهما عليه، وهذه المشكلة كشفتها عدد كبير من الرسائل على صفحات دار الإفتاء ومركز فتاوى الأزهر وموقع إسلام ويب، وهو ما يؤكد على تكرارها.

وكشفت رسالة من رجل إلى دار الإفتاء عن مدى خطورة هذه المشكلة، حيث قال: "أنا متزوج بامرأة أحبها وتحبني ونحن سعداء، ولكن ترغب والدتي بأن أطلقها، فهل يجب عَليَّ طلاقها؟ وهل رفضي لطلاقها فيه عقوق للوالدين أو عدم برٍّ لهما؟".

ومن جانبه، أكد الشيخ محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الإسلام حث على التمسك بالحياة الزوجية وعدم الإقدام على إنهائها، إلا إذا استحالت العشرة بين الزوجين واستُنفِذت كل مساعي الصلح بينهما، وجعل الطلاق من أبغض الحلال إلى الله تعالى، كما جعل بِرَّ الوالدين من أوجب الواجبات، وعقوقَهما من الكبائر الـمهلكات، حتى قرن اللهُ سبحانه عبادَتَه بالإحسان إليهما؛ فقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، إلا أنه لا يجب على الابن أن يطيع والدته أو والديه في طلاق زوجته، بل يحافظ على زوجته وأسرته ما استطاع.

وقال الشيخ محمود شلبي: "إن تطليق الزوجة ليس من بِرِّ الوالدين؛ فالبِرُّ بالوالدين معناه الإِحْسَانُ إليهما بالقَوْلِ اللَّيِّنِ اللَّطِيف الدَّالِّ عَلَى الرِّفْقِ والـمَحَبَّةِ، وتَجَنُّب غليظ القول الـمُوجب للنفرة، واقتران ذلك بالشَّفَقَة والعطف والتَّودد والإحسان بالـمال وغيره من الأفعال الصالحات؛ كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيـمًا ۞ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24]".

وقد وردت كثير من الفتاوى في هذه المشكلة وهو ما يؤكد على قدمها فقد أخرج الحاكم في "المستدرك" وصححه عن حمزة بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كانت تحت ابن عمر امرأته، وكان يعجب بـها، وكان عمر يكرهها، فقال له: طلّقها، فأبى، فذكرها ابن عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَطِعْ أَبَاكَ وَطَلِّقْهَا».

وجاء في "مصنف ابن أبي شيبة" عن أبي طلحة الأسدي، قال: "كنت جالسًا عند ابن عباس رضي الله عنهما، فأتاه أعرابيان فاكتنفاه، فقال أحدهما: إني كنت أبغي إبلًا لي، فنزلت بقومٍ، فأعجبتني فتاةٌ لـهم فتزوجتُها، فحلف أبواي أن لا يَضُمَّاهَا أبدًا، وحلف الفتى فقال: عليه ألف محرر وألف هدية وألف بدنة إن طلقها، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما أنا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك، ولا أن تعق والديك"، قال: فما أصنع بـهذه الـمرأة؟ قال: "أبرر والديك".

وفيه عن أبي عبد الرحمن قال: "كان من الحي فتًى في بيت لم تزل به أمه حتى زوجته ابنة عمٍّ له فعلق منها معلقًا، ثم قالت له أمه: طلقها، فقال: لا أستطيع، علقت مني ما لا أستطيع أن أطلقها معه، قالت: فطعامك وشرابك عَليَّ حرام حتى تُطلقها، فرحل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه إلى الشام فذكر له شأنه، فقال: "ما أنا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك، ولا أنا بالذي آمرك أن تعق والديك".

وقد ذهب الشافعية إلى كراهة طاعة الوالدين في الطلاق، إن كان هناك تعنت؛ قال الشيخ زكريا الأنصاري "أسنى الـمطالب" (3 264، ط. دار الكتاب الإسلامي): "ويستحب الطلاق لخوف تقصيره في حقها لبغض أو غيره، أو لعدم عفتها بأن لا تكون عفيفة"، وألحق به ابن الرفعة طلاق الولد إذا أمره به والده، وهو ظاهر إذا أمره به لا لتعنت ونحوه، ويكره عند سلامة الحال؛ لخبر: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللهِ مِنْ الطَّلَاقِ».] اهـ.

أما الحنابلة فقد صرحوا بعدم الطاعة، إلا أن يكون الأب الآمر من الصالحين والأتقياء؛ نقل الشيخ ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5 491، ط. دار الكتب العلمية) كلام الإمام أحمد فقال: [كلام أحمد في وجوب طلاق الزوجة بأمر الأب مقيدٌ بصلاح الأب] اهـ، فى حين ذهب ابن تيمية إلى حرمة طاعة الابن لوالديه في طلاق زوجته، خاصةً إن كان له منها أبناء؛ جاء في "الفتاوى الكبرى" (3 331).

وذهب العلامة ابن مفلح إلى أنه لا تجب طاعة أبويه في الطلاق؛ فقال في "الفروع" (5 363، ط. عالم الكتب) ما نصه: [فإن أمَرَتهُ أمُّهُ فَنصُّهُ: لا يُعْجِبُنِي طَلاقُهُ، وَمَنَعَهُ شَيْخُنَا مِنْهُ، وَنَصَّ فِي بَيْعِ السَّرِيَّةِ: إنْ خِفْت عَلَى نَفْسِك فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَكَذَا نَصَّ فِيمَا إذَا مَنَعَاهُ مِنْ التَّزْوِيجِ] اهـ.

وقال الشيخ بن باز في فتوى، إنه لا يجوز عصيان الأم في الزواج بامرأة معينة على عكس إرادة الأم، وإن أصر وتزوج بها في هذه الحالة فهو آثم، ويجب عليه طاعة أمه في تطليقها إذا كان رفض الأم وطلبها للطلاق له مسوغ شرعي، كأن تكون الفتاة غير متدينة، أما إذا لم يكن هنالك مسوغ شرعي فلا يلزمه تطليقها.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، أن على الولد طاعة والديه في فراق الزوجة إذا كان لمسوغ شرعي، أما لغير ذلك فلا طاعة له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف.

ads