هل تجوز طاعة الزوج إذا طلب منك مقاطعة أهلك؟.. نعم في حالة واحدة
تختلف الحياة في مشقتها بين الناس وبعضها، فمنهم من
يتحمل ومنهم من لا تحمل، وقد تكون تلك الظروف بين الزوجين وبعضهما أو بين الزوجين
والأهل.
وعند أول منعطف لأي مشكلة بين الزوج وأهل الزوجة، يلجأ الزوج
إلى طلب من زوجته بمقاطعة أهلها، فما الحكم هنا، وهل عدم طاعته حلال أم حرام؟.
رأي الشرع
يؤكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر،
في إجابته على السؤال، عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية، أنه من المقرر شرعا أن صلة الرحم واجبة
وبخاصة الأسرة والأهل من الدرجة الأولى كالوالدين؛ لقوله تعالى: "وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى".
وحول
طاعة الزوجة لزوجها في هذا الأمر، قال المفتي السابق، إنه لا يجب على المرأة طاعة زوجها
إذا أمرها بقطع رحمها وعدم بر الوالدين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ لأن الطاعة في
المعروف.
وأوضح
بأنه صرح فقهاء الأحناف بأن الزوج لا يمنع زوجته من الخروج إلى الوالدين في كل جمعة
إن لم يقدرا على إتيانها على ما اختاره في كتاب "الاختيار"، ولا يمنعهما
من الدخول عليها في كل جمعة، كذا في "التنوير" و"شرحه".
وشدد
على أن للزوجة أن تزور والديها مرة كل أسبوع ولو بدون إذن زوجها، وكذلك جدها في حالة
عدم وجود أبيها، وجدتها في حالة عدم وجود أمها، لكن أمر المبيت عند أهلها يجب فيه
استئذان الزوج.
وبين
جمعة، بأنه لا يجوز لها المبيت بغير إذن الزوج، وهذا هو المعمول به في القضاء الشرعي
طبقًا للمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أنه: "عند عدم وجود نص يُعمَل
بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة، ولا تعارض بين ذلك وبين قوامة الرجل في بيته،
ولا يحقُّ له".
وأوضح
بأنه لا يجب أن يستغل الزوج أمر الشرع للزوجة بطاعته في منعها من الواجبات التي عليها؛
فكما لا يحقُّ له أن يمنعها من الصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر الواجبات؛ فكذلك
لا يجوز له منعها من صلة الوالدين والأرحام، ولا يحقُّ له تحت دعوى وجوب الطاعة أن
يعزلها عن مجتمعها فتكون كالمسجونة التي تؤدي مدة الحبس عنده، مستشهدا بقول النبي صلى
الله عليه وسلم، «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ».
فتوى سابقة
وكان
الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، قد أجاب مسبقا على السؤال بقوله: من المتفق
عليه أن الزوجة يجب عليها أن تطيع الزوج فى أمرين أساسيين، هما المتعة وملازمة البيت،
فلو عصته فى أحدهما كانت ناشزا، تسقط نفقتها ويتخذ معها إجراء بينة القرآن فى قوله
تعالى "واللاتى تخافون نشوزهن".
وتابع صقر، وأنا أقول في هذا الأمر إنه كما للزوج
على زوجته حقوقا مؤكدة يعرض التفريط فيها إلى عقوبات دنيوية وأخروية، كذلك لوالديها
حقوق من البر والإِحسان، منها ما هو واجب يعرض لعقوبة اللَّه، لكن حق الزوج مقدم على
حق الوالدين، فقد روى الحاكم وصححه والبزار بإسناد حسن أن عائشة رضى الله عنها سألت
الرسول صلى الله عليه وسلم: أى الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال " زوجها، قالت:
فأى الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال " أمه ".
وتابع
صقر فتواه بقوله: ويمكن للزوجة أن توفق بين طاعتها لزوجها وطاعتها لوالديها دون إثارة
مشكلات أو تعرَّض لعقوبات، ومن العشرة بالمعروف التى أمر الله الزوج بها مع زوجته،
وذلك بأن يمكنها من بر والديها وصلة رحمها، لكن ليست زيارتها لهما هى الوسيلة الوحيدة
للبر والصلة، فقد يتم ذلك بمكالمة تليفونية أو إرسال خطاب مثلا، أو بزيارة أهلها لها
فى بيت زوجها، وكل ذلك فى نطاق المصلحة الزوجية.
وأشار
صقر، إلى أنه إذا رأى الزوج أن زيارتها لأهلها تضر الحياة الزوجية كان له منعها، ولو
خرجت بدون إذنه كانت ناشزا وحكم النشوز معروف، وليس منعه لها من زيارة أهلها معصية
حتى نبيح لها أن تخالفه، بناء على ما هو معروف من أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق،
فالبر يحصل بغير زيارتها لأهلها، وقد يكون المنع فى مصلحتها هي أيضا، فلا يجوز لها
أن تتمسك بهذه الزيارة وتعلق حياتها مع زوجها عليها، فذلك عناد يجر إلى عناد أكبر قد
تندم على نتيجته.