هروب الفتيات من المنازل.. فضيحة تهز المجتمع المصري
الأربعاء 23/ديسمبر/2020 - 12:49 م
رندا ثروت
- د.الفنجري غلاب: "السوشيال ميديا" وسوء التربية وأصدقاء السوء.. السبب
- د.محمد جودة: ضغوط الحياة التي تواجه الأسر يشجع الفتيات على الهرب
- د.منتصر فتحي: المسلسلات والأفلام لهما دور كبير في تنامي الظاهرة
تطالعنا مواقع التواصل الاجتماعي بشكل شبه يومي بصور لفتيات مرفق بها إعلان عن اختفاء صاحبة الصور، ومابين التخمين بأنها حالات اختطاف أو بأنها حالات هروب، فتلك الحالتين أما تسبب الذعر في حالة إذا كانت اختطاف، أو تشجع بعض الفتيات في إذا ثبت أنها هروب.
"هير نيوز" توجهت لعلماء النفس والاجتماع؛ للإجابة على سؤال لماذا يهرب الفتيات؟ وهل مواقع التواصل سهلت من انتشار الظاهرة؟.
الدكتور الفنجري غلاب نائب مدير مركز الحداثة للدراسات الاجتماعية والتنموية ومدرس علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الوادي الجديد تحدث إلينا عن تلك الظاهرة قائلا: "علينا في البداية أن نفرق بين حالات الاختفاء الناتجة عن الخطف المتعمد سواء بسبب الانتقام أو سرقة الأعضاء وبين اختفاء الفتيات لرغبتهن في التحرر من السلطة الأسرية أو الرغبة في الزواج من شخص ما قد تكون الأسرة رافضة له كزوج بينما هي ترفض قرار الأسرة".
وتابع غلاب: "لا يمكننا أن ننكر أن هناك حالات خطف متكررة ظهرت في الآونة الأخيرة بسبب الانتقام أو تجارة الأعضاء ولكنها قلت تدريجيا بسبب تكثيف الجهود الأمنية في تضييق الخناق على تجارة الأعضاء ومن يقومون بها، أما عن اختفاء الفتيات باختيارهن في اعتقادي تعود إلى مجموعة من الأسباب، السبب الأول هو اتباع أساليب التنشئة الاجتماعية الخاطئة مثل التدليل الزائد أو التسلط المبالغ فيه أو التفرقة في المعاملة بين الأبناء أو تضارب المعاملة واختلافها من الأب والأم، والسبب الثاني غياب رقابة الوالدين على الأبناء وانشغالهم بتوفير الموارد الاقتصادية للأسرة، والسبب الثالث والمهم هو البعد عن التربية الدينية والأخلاق الحميدة، خاصة مع تراجع دور المدرسة والجامعة في التوجيه الأخلاقي، بالإضافة إلى سوء استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل مواقع التواصل الإجتماعي التي تجعل المراهق أو المراهقة يعيش في المجتمع الافتراضي أكثر من المجتمع الواقعي، كما أن أصدقاء السوء الذين يحاولون إقناع أصدقائهم بضرورة الاستقلال عن الأسرة في اتخاذ القرارات وبالتالي يضعون مبررات للهروب من المنزل".
أما الدكتور محمد جودة بالجامعة الكندية يرجع أسباب هروب الفتيات إلى ضغوط الحياة التي تواجه الأسر وأعباء الحياة الاقتصادية، "جعلتنا ننسى حق أبنائنا علينا، ففي سن المراهقة تحديدا وهو السن من 12لـ 25 سنة والذي يحدث فيه ظاهرة الهروب، للأسف الأسر لا تحتوى أبناءها ولا يكونوا متفرغين لسماع أبنائهم ولا متفرغين لسماع مشكلاتهم، والعلاقة بينهم دائما متوترة، وفي هذه الحالة تلجأ الفتيات لمن يسمعها ما يرضيها ويحتويها".
وأضاف أنه قديمًا ورغم ارتفاع نسبة الأمية إلا أن ثقافة احتواء الأبناء كانت لديهم عالية جدًا، أما مع التقدم الذي وصلنا إليه أصبحت العلاقة بيننا وبين أبنائنا هي عبارة عن تعنيف واحتقار وتوبيخ، ونضع لهذا مبرراته قائلين: "أصل ضغوط الحياة، أصل الشغل والتعب"، وهي في رأي مبررات واهية مقابل ما تسببه من خسارة أبنائنا، وأشار إلى أن مواقع التواصل تسهل من فعل الأخطاء خاصة في ظل عدم متابعة الوالدين لأبنائهم.
بدوره ذكر الدكتور منتصر صلاح فتحي، مدرس علم النفس الإكلينيكي والعلاج النفسي بجامعة الوادي الجديد، أن ظاهرة هروب الفتيات تكررت في الآونة الأخيرة والسبب يرجع إلى التنشئة الإجتماعية التي نشأت فيها الفتاة، فكلما كان التعامل به شدة وغلظة وعدم احترام لمشاعر الفتاة، وعدم وجود من يسمعها ويجيب عن أسئلتها، تلجأ الفتاة إلى الهروب لتجد ما تريده، كذلك غياب الأم زود من تلك الظاهرة، فحين تكون الأم حنونة وتحتوي ابنتها كلما كان الوضع أفضل من الحالات التي تكون فيها الأم طلقت من الأب أو توفت، خاصة في حالة الطلاق حيث يفكر الأب في الزواج من آخرى ذلك يعزز من فكرة الهروب لدى الفتاة، التي لا تتقبل العيش مع زوجة الأب.
واستكمل منتصر حديثه قائلا، إن الدراما من مسلسلات وأفلام لها دور كبير في هروب الفتيات فهي تعرض فكرة أن لم تجد الفتاة مخرج لما تريده فالحل هو الهروب، كذلك من أبرز أسباب الهروب رغبة الفتاة الزواج من أحدهم ولكي تجبر أسرتها على الموافقة عليه فتلجأ للهروب، ولا تضع في اعتبارها بأن هذا الشاب سيتذكر ما فعلته وستكون بالنسبة إليه بلا كرامة ويفعل بها ما يحلو له.
نصائح الخبراء
وتحدث عن أبرز النصائح التي تحد من تلك الظاهرة قائلا: "عندنا مثل شعبي بيقول "إن كبر ابنك خاويه"، بمعنى أن تجعل الفتاة تشعر بأهميتها في المجتمع والأسرة وتستمع إليها ومن وجهة نظري المتواضعة أن صداقة الأب والأم لأبنائهما تكون من الصغر ولكن يمكن أن نحدد سن البلوغ لأنه يرتبط بمرحلة المراهقة وسن البلوغ يبدأ عند الإناث مبكرا من حوالي 11 سنة ويستمر حتى 15 سنة، وحين تصل الفتاة بداية سن البلوغ يفضل أن نستمع إليها ونوجهها لما يتناسب مع نوعها الاجتماعي في ضوء قيم ومعايير المجتمع الذي نعيش فيه، كما لابد من غرس القيم الأخلاقية فيهم مثل الصدق والأمانة والانتماء لكي يشعروا بتأنيب الضمير عند الإقدام على ارتكاب أي سلوك يخالف القواعد والمعايير الاجتماعية.
ورأى أن تربية الأبناء ليست مهمة الأسرة فقط، وإنما هي مسئولية كل مؤسسات المجتمع الأسرة والمدرسة والنادي والمؤسسات الدينية كل مؤسسات المجتمع بدون استثناء، وعلى الآباء والأمهات أن يفهموا شخصية ابنهم أو ابنتهم في هذه المرحلة الخطرة من حياتهم ومراعاة مشاعرهم وتوجيههم بطريقة صحيحة واستقطاع جزء من وقتهم للاستماع إلى الأبناء وتوجيههم بدلا من إلقاء اللوم والعقاب وما شابه.
أما الدكتور محمد جودة نوه إلى أبرز النصائح قائلا: "هناك مقولة ذكرها أحد علماء التربية وهي "املأ ابنك قبل ما المجتمع أو الآخرين يملوه"، من خلال المواقف الحياتية عفوية أو مصطنعة لأزرع فيهم القيم والأخلاق.
وأضاف: "أن الحل الرئيسي لهذه القضية هو رجوع الارتباط الأسري، والحرص على التجمع بين أفرادها لمناقشة الأبناء والاستماع لهم، ولابد وجود صداقة بين الوالدين وأبنائهم، كما أن يجب على صناع الدراما والأفلام الكف عن تصدير الأفكار المتعلقة بمتعة الهروب وأن في الهروب حرية، فيظل الفيلم طيلة ساعتين يعرض فكرة هروب الفتاة ومدى الإحساس بالحرية، ثم آخر 10 دقائق من العمل يبرز الأثر السلبي، فنجد أن من الممكن تأثر الفتاة في البداية وتتجاهل الجزء الأخير من الفيلم، لأن هناك ما يسمى بأسبقية المتابعة فعينيها رأت المتعة ولم تنتبه إلى التأثير السلبي بعد ذلك".
وأضاف: "على الأسرة أن تتعامل مع الفتاة كبني آدم له حقوق وحريات وعدم وضعها في إطار أن أي فعل يصدر عنها مجرد دلع منها، فحتى الآن بعض الناس مازالت ترى في خروج الفتاة عار ولابد من التخلص منها بالزواج، بل لابد من احتواء الفتيات فهن كنز المجتمع فهي الأم التي تربي والمعلمة وأصبحت تصل إلى مراكز مرموقة فعلينا الاهتمام بهن لصالح تقدم المجتمع، وشدد منتصر على أهمية الحوار بين أولياء الأمور وبناتهم وتخصيص الوقت الكافي لسماعهم والعمل على معالجة مشاكلهن".