الدكتورة سحر حسن أحمد تكتب: سفيرات دولة التلاوة (2)
الشيخة أم محمد
ذاع صيتها في وقت لم يكن لأغلب النساء صوت، إذ تُعد أول من
فتح الباب لظهور قارئات القرآن في مصر إلى دائرة الشهرة بعد أن كان ظهورهن يقتصر
على القراءة في الجزء الخاص بالنساء في العزاء خاصة في القرى.
حصلت الشيخة "أم محمد" التي عاشت في عهد محمد علي
باشا على شهرة وإعجاب كبير من قِبل كبار الشخصيات حتى إن شهرتها وصلت إلى محمد على
نفسه، الذى أعجب بتلاوتها وجعلها قارئة معَتمدة في المناسبات الرسمية فى قصور
مسئولي الدولة وقادة الجيش خاصة في شهر رمضان المبارك لكثرة الليالي التي تعقد فيه
لقراءة القرآن والمديح والذكر. لم تكن أم محمد قارئة فحسب، بل كان من المعروف عنها
إحياؤها لليالى رمضان فى قصر الوالى، إلى جانب تلاوتها للقرآن فى منازل كبار رجال
الدولة، والأمراء وإحياء المآتم.
كانت أيضًا المقرئة المفضلة لمحمد على باشا وذكر أن محمد علي
باشا قد كرم الشيخة أم محمد، وأغدق عليها من الهدايا الكثير، بل وأمر بسفرها إلى
إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية ، لتقرأ القرآن فى حرملك السلطنة العثمانية.
وعندما توفيت الشيخة أم محمد أمر محمد على باشا بأن تُقام لها جنازة رسمية وشعبية
كبيرة، ودفنت في مقبرة تم تخصيصها لها فى مقابر الإمام الشافعى، وهي المقابر التي
كانت تخصص لعلية القوم فى ذلك الوقت.
الشيخة سكينة حسن
من أهم القارئات فى ذلك العصر، السيّدة سكينة حسن، مواليد
سنة 1892، التى لم تتوفر عنها معلومات كثيرة، ولكنها كانت أول قارئة فى عصرها،
تُسجل آيات الذّكر الحكيم بصوتها على أسطوانات، في مطلع القرن العشرين.
ولدت ضريرة في صعيد مصر، فألحقها والدها بالكُتَّاب لتعلُّم
القرآن، ورتلت القرآن والتواشيح في المناسبات الدينية، وسجلَّت بعض آيات الذكر على
أسطوانات، لكن الأزهر، وفقاً لبعض المصادر، مثل الكاتب عصمت النمر، فى مقال له
بالعدد الثاني من جريدة "داليدا" الصادرة في أكتوبر 2016، حرّم هذه
التسجيلات، ما دفعها لهجر قراءة القرآن إلى الغناء. وبعد صدور قرار الإذاعة
المصرية بمنع بث تلاوات النساء، انتقلت سكينة من تلاوة القرآن الكريم إلى الغناء،
وبدلاً من الشيخة سكينة، أصبحت المطربة سكينة، وصُنفت حينها بأنها مطربة رصينة
تؤدى الطقاطيق بأسلوب رزين، يختلف عن منيرة المهدية وغيرها من مطربات تلك الفترة.
ظلّت الشيخة «سكينة» هكذا، تُغني بدلاً من تلاوة القرآن حتى توفيت عام 1948.
الشيخة أم السعد محمد علي نجم
الشيخة أم السعد... أستاذة القراءات العشر ـ الشيخة الحافظة
المُحَفِظة أشهر امرأة معاصرة فى قراءات القرآن الكريم ، فهى السيدة الوحيدة التى
تخصصت فى القراءات العشر، وظلَّت طوال نصف قرن تمنح إجازاتها فى القراءات العشر.
ولدت "أم السعد" في عام 1925 فى قرية البندرية
بمركز تلا بمحافظة المنوفية.
وفى العام الأول من عمرها أُصيبت
بمرض فى عينيها ، واتجه أهلها للعلاج بالطب الشعبي بالكحل والزيوت الذى كان سبباً
في فقدان بصرها ، وقد ألحقها أهلها لخدمة القرآن الكريم حتى حفظته فى سن
الخامسة عشرة. عاشت بحى بحري بالإسكندرية.
تتلمذت على يد الشيخة "نفيسة بنت أبو العلا" "شيخة أهل زمانها" كما
تُوصف، تعلمت منها القراءات العشر، واشترطت عليها
الشيخة نفيسه شرطًا عجيبًا وهو: ألا تتزوج أبدًا، فقد كانت ترفض بشدة تعليم
البنات؛ لأنهن يتزوجن وينشغلن فيهملن القرآن الكريم. وقد وافقت على شرط شيختها
التي عُرفت بصرامتها وقسوتها على السيدات ككل اللواتي لا يصلحن –في رأيها– لهذه
المهمة الشريفة !.. ومما شجع ام السعد على ذلك أن "نفيسة" لم تتزوج
رغم كثرة من طلبوها للزواج من الأكابر، وماتت عن عمر يُناهز الثمانين انقطاعًا
للقرآن الكريم !وقد حصلت من شيختها على إجازات فى القراءات العشر وهى فى
سن الثالثة والعشرين.
وقد تزوجت أقرب تلاميذها إليها الشيخ "محمد فريد نعمان
الذي كان من أشهر القراء في إذاعة الإسكندرية وهو صاحب أول إجازة تمنحها (أم
السعد).
تردد عليها لحفظ القرآن ونيل إجازات القراءات صنوف شتى من
جميع الأعمار، والتخصصات، والمستويات الاجتماعية والعلمية . وهي تخصص لكل طالب
وقتًا لا يتجاوز ساعة في اليوم. ومن أشهر من منحتهم الإجازة الشيخ المقريء عبد
الحميد يوسف منصور والقارئ الطبيب أحمد نعينع وفضيلة الشيخ مفتاح السلطني الشيخ
احمد محروس البحيري . أثناء تواجدها فى الأراضي الحجازية، منحت إجازات في القراءات
المختلفة لعشرات الحفاظ من كل البلاد
الإسلامية: السعودية، باكستان، السودان، لبنان،
فلسطين، تشاد، أفغانستان كما منحت إجازة لطالبة سعودية لم تتجاوز
السابعة عشرة من عمرها. تُوفيت أم السعد في عام 2006 عن عمر يناهز واحد وثمانون
عاماً وقد شيعت جنازتها من مسجد ابن خلدون بمنطقة بحري بالإسكندرية.
الشيخة كريمة العدلية والحب عبر القرآن
يُشير محمود السعدني إلى أن كريمة ذاع صيتها بداية القرن
العشرين من خلال الإذاعة المصريّة. ربطت قصة حب بينها وبين الشيخ علي محمود القارئ
وأستاذ الموسيقى العربية المعروف، فكان كل منهما يُنصت للآخر وهو يقرأ أو يُنشد.
وكان الشيخ علي كان يُفضِّل صوتها على كثير من القراء الرجال والفنانين، ممن
تتلمذوا على يديه، ومنهم: محمد رفعت، وطه الفشني، والبهتيمي، وزكريا أحمد، محمد عبد الوهاب ، وأم كلثوم ، وأسمهان. وكانت
كريمة تُصلّي الفجر في الحسين لتسمع صوت محمود وهو يرفع الآذان، فيما كان علي
يتابعها في كل مكان تذهب إليه لينصت إلى مدائحها وتلاوتها العذبة. وقد تزوجا،
وصدحا معاً فى الإذاعة المصرية.
الشيخة منيرة عبده
ظهرت منيرة عبده لأول مرة فى عام 1920 عندما بدأت التلاوة فى
عمر الثامنة عشر، أحدث ظهور منيرة ضجة كُبرى في العالم العربى، ولم يمض وقت طويل
حتى أصبحت ندًّا للمشايخ الكبار، وذاع صيتها خارج مصر، وتهافتت عليها جميع إذاعات
مصر الأهلية.
وعندما أنشئت الإذاعة الرسمية في القاهرة عام 1934 ، كانت في
طليعة الذين رتلوا القرآن عبر أثيرها ، كانت تتقاضى حينها 5 جنيهات، في الوقت الذى
كان الشيخ رفعت يتقاضى 10 جنيهات. ومع تردَّد الأقاويل بأن صوت المرأة عورة اختفت
الشيخة منيرة من الإذاعة، وتوقفت إذاعتا لندن وباريس عن إذاعة أسطواناتها خوفًا من
غضب المشايخ الكبار. واعتكفت الشيخة منيرة في آخر أيام حياتها في بيتها، تجتر
الذكريات، بعد أن عاشت تمارس هوايتها الوحيدة الاستماع لأصوات العمالقة.
قدمت الإذاعة لأول مرة يوم 19 أبريل
عام 1936، ثلاث تلاوات للشيخة خوجة إسماعيل، وزاد الاهتمام بها، حتى أسندت إليها
جميع التلاوات النسائية في شهر مايو من العام نفسه، وبلغت ثلاث تلاوات في الأسبوع
الواحد، حتى اختفت تماماً في ما بعد.
نبوية النحاس
كانت الشيخة نبوية النحاس آخر سيدة
مصرية تُرتل القرآن الكريم في الاحتفالات العامة عام 1973 طاوية راية النساء في
الإذاعة.التى استمرت تلاوة النساء، سواء في الإذاعة أو مختلف المناسبات في ربوع
مصر، حتى عام 1973،
أم كلثوم ووردة سفيرات الفن في التلاوة
اشتهرت
كوكب الشرق بتلاوة القرآن الكريم، في بداية حياتها، إلى جانب التواشيح الدينية،
وهو ما ظهر جلياً في أحد مشاهد فيلمها "سلامة" عام 1945 إذ تلت ما تيسر
من سورة إبراهيم. ولم تكن أم كلثوم وحدها من الفنانات المشهورات اللواتي قرأن كتاب
الله، إذ تلت وردة الجزائرية بضع آيات من سورة آل عمران، في فيلم ألمظ وعبده
الحامولي.