الأحد 24 نوفمبر 2024 الموافق 22 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

علماء يحذرون الفتيات من تحول مشاعر الحب لمرض نفسي

السبت 19/ديسمبر/2020 - 03:02 م
هير نيوز


عندما تكون مشاعره طبيعية وسليمة، يكون الحب نعمة للمحبين، فيه راحة نفسية ومتعة حسية للطرفين، تجعلهما قادرين على مواصلة الحياة وتحقيق الأحلام والأمنيات، وعندما تكون مشاعره غير سوية ومبرراته غير منطقية، يكون الحب نقمة على أحد الطرفين، وهو الطرف الذي يصفه العامة بـ"المسحور في الحب"؛ وذلك لأن مشاعر الحب هنا تكون قد تحولت إلى مرض نفسي، وقد أصبح هذا الأمر في منتهى الأهمية ، وذلك بعد أن أدرجت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا، الحب في القائمة الرسمية للأمراض الخطيرة كمرض نفسي، وذلك بسبب أعراض تظهر في أحد الطرفين بسببه. 

المبالغة في الحب

الحب قد يتحول لمرض نفسي، عندما يزيد عن حده الطبيعي، ويصبح مبالغاً فيه في التعبيرات والتصرفات، كأن تسرق فتاة من أجل شاب تحبه أو تضحي فتاة بمستقبلها كله من أجل رجل تعرف أنه متزوج أصلا،ولن يتزوجها ،ويهينها باستمرار،ويزيد حبها له كلما أهانها أكثر، فهذا حب مرضي تكتنفه تصرفات غير طبيعية لإرضاء شخص لا يستحق، وهذا المرض يسمى في الطب النفسي "arat0"، ومن مظاهره حب الأب أو الأم لأولادهما بشكل مبالغ فيه، كأن يضعا أذنيهما مرات عديدة على قلوبهم وهم نائمون للتأكد من أنهم أحياء وخوفاً عليهم من الموت. 

عندما تحب إنسان بدون مبرر ولا يربطك به شيء اجتماعي أو روحاني، أو تحب إنسانًا غير كفء لك بالمرة، وتسلمه نفسك ويهينك بتصرفات غير سوية وترضى وتشعر أحيانا بأن في ذلك لذة تسعدك، فاعلم أن مشاعر الحب هنا ما هي إلا مرض نفسي، يسميه عامة الناس "الحب الجنوني"، وأخطر ما فيه أنه مسيء ومهين للنفس من طرف أنت ترضيه وتخلص له، وتحبه وهو لا يحبك أصلا، وتكون النتيجة الإصابة بالاكتئاب. 

تحدثت في هذا الأمر مراراً وتكراراً مع الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي، وأكد لي أن حالات عديدة للحب المرضي يلجأون إليه للعلاج، ومن هذه الحالات، سيدة مرموقة وثرية، عمرها 35 سنة، تركت زوجها وتزوجت سباك بلا عمل، عمره 20 عاما، استغلها وسرقها وضربها وأهانها كثيراً، وخدعها وضحك عليها مرات كثيرة، وعندما ألقت الشرطة القبض عليه، بكت وحنت له، وقالت للشرطة: "محدش يضربه أنا مسمحاه". 

الدكتور "فرويز" حكى لي عن سيدة أخرى عالجها في عيادته، قائلاً: "عندما تحب امرأة رجل لدرجة أن يقول لها نامي على الأرض مثل الكلب و"هوهوي"، وتنفذ ما يأمرها به، وهي مجبرة، وفي حالة عدم التنفيذ يضربها فهو مريض نفسيا وتندرج تحت بند "الحب مرض نفسي"، خاصة أنها كانت تعتقد أنها مسحورة، في حين أنها تعاني من تحول مشاعر الحب لمرض نفسي لأنه لم تكن تستطيع السيطرة على تصرفاتها وسلوكياتها ومشاعرها، وهذا هنا ينطبق على الطرفين، وكلاهما كان يحتاج لعلاج نفسي". 

اللذة والمرض 

المرض النفسي في الحب يختلف عن الرغبة حتى ولو كانت رغبة جارفة، فالرغبة يمكن أن تنفذها مع أي أحد؛ ولكن تحول مشاعر الحب لمرض نفسي، هو عدم الشعور بالرغبة أو الإحساس باللذة، إلا مع شخص بعينه، تضطر لقبول كل تصرفاته السيئة والخارجة عن الناموس الطبيعي، وهو حب غالباً ما يفتقد للتكافؤ بين الطرفين، كأن تحب أستاذة جامعية السائق الخاص بها، أو تحب سيدة مرموقة بواب العمارة التي تسكنها . 
مثل هذه الحالات، بحسب تأكيدات الدكتور جمال فرويز- يجب أن تعالج ، علاج دوائى أو علاج معرفى وسلوكى، فنوع العلاج المفضل يكون حسب الحالة، ويجب أن تكون العلاقة العاطفية تفاعلية ومتبادلة بين الطرفين، وأن يكون هناك تكافؤ وتوازن، ولا تخرج عن إطار التصرفات الطبيعية حتى لا تكون مرضية وغير سوية، حتى التضحيات يجب أن تكون في الإطار الطبيعي بعيداً عن الاضطرابات النفسية للحب، خاصة أن نسبة هذه الحالات في مصر، هي واحد من كل 100 ألف شخص. 

الحب الممقوت

الحب يكون ممقوتا ويتحول إلى مرض، ويكون ناجماً عن اضطرابات نفسية، ويدخل الإنسان في اضطرابات أخرى، وفق رؤية الدكتور محمود أبو العزايم أستاذ الطب النفسي، عندما يتحول إلى رغبة في تملك الآخر، ويصل لدرجة التملك، مع إشارة واجبة هنا، مفادها أن هناك من يرى أن الحب كمرض نفسي حتى الآن مصطلح غير دقيق، وهم في ذلك يتناقضون مع تعريف منظمة الصحة العالمية للحب، والذي أدرجه ضمن الأمراض النفسية وبالتحديد تحت بند أمراض الإدمان. 

والحب المرضي يرتبط بالاضطرابات الذهانية، لذا يجب على المريض أو المريضة بالحب في هذه الحالة أن تعرض نفسها على طبيب نفسي، حيث يقول "أبو العزايم" معلقاً على تلك الحالة: "عندما تفرض نفسك على إنسان وتفرض حبك عليه وهو لا يريد ذلك، ولا يكلمك ولا يبادلك نفس المشاعر ولا تريد أن تفهم ولا تعود خطوة إلى الوراء، فهذا يكون حبًا مرضيًا". 

الحب يصبح حالة مرضية أيضا، والكلام للدكتور محمود أبو العزايم، عندما لا يكون هناك أي علاقة إنسانية بين الطرفين، كأن يحب شاب أو رجل، مذيعة أو ممثلة جميلة، ويطاردها في كل مكان، ويعذب نفسه عذاباً شديداً، في حب لا طائل منه، ودون أن يدرك أن هذا الحب درجة من درجات المرض النفسي؛ لأنه ناجم عن اضطرابات نفسية، قد تكون اضطرابات ذهانية. 

تحول مشاعر الحب لمرض نفسي يعذب الإنسان وتؤلمه، ويسبب له مشاكل كثيرة تدفعه لارتكاب جرائم بحق آخرين، هذا ما يؤكده الدكتور أحمد هلال، طبيب نفسي، حيث يقول: "لو ضبطنا مشاعرنا بالضابط الإسلامى في كل شىء فلن يقع أحد في براثن هذا المرض، فلا يصح مثلاً أن يحب رجل امرأة متزوجة، لأن الشرع الإسلامي نهى عن ذلك، بموجب آيات قرآنية، لافتاً إلى أن علاج هذا المرض يحتاج لتوجيه نفسي، يمكن أن يقوم به طبيب نفساني أو إنسان حكيم أو ناصح آمين. 

ولكي لا يتحول الحب إلى مرض نفسي فلابد من التكافؤ بين الطرفبن، فلا يصح أن يحب من هو واقف على الأرض شهاباً في السماء، لأنه لن يكون أبدا من نصيبه، وبالتالي سيعذب نفسه، ويصاب باضطرابات وبأعراض المرض النفسي؛ لذا يجب تحكيم العقل في الحب وعدم الانجرار وراء العاطفة وحدها؛ لأنها أحيانا تكون خداعة. 

وحقيقة الأمر أن نسبة إصابة الرجل والمرأة بحالات الحب المرضي متساوية، وإن كان كبار السن معرضين بشكل أكبر للوقوع في فخاخ هذا المرض، بحسب تأكيدات "هلال؛ لأنهم يحتاجون للعطف والحنان والكلمة الطيبة، وبالتالي يكون من السهل خداعهم، أو يخدعون هم أنفسهم بتفسير عطف الآخرين عليهم على غير محمله الطبيعي، وقد تناول الأدب هذه الحالة في رواية "حذاري من الشفقة" للروائي العالمي ستيفان زيفايج، والذي انتحر بسبب عدم تحمله مشاهد المذابح في عهد أودولف هتلر، وهي رواية ننصح كل المحبين بقراءتها. 

ويجب أنه ندرك أنه يوجد في الطب النفسي ما يعرف بـ"ضلالات الحب"، وهي مشاعر حب غير طبيعية، وبالتالي فهي مرضية، فهناك مريض كان يرتاد عيادة الدكتور أحمد هلال، وكان يحب سعاد حسني بجنون ومفتون بها لأبعد مدى، وحياته كلها سعاد حسني، فلا يقرأ شيئا إلا عنها، و يعلق صورها في كل غرف بيته، وحاول أن يزورها، وكان يحبها لدرجة العشق، وكان يطاردها في أي مكان تذهب إليه، وكان كل ما يحلم به ويتمناه أن يراها فقط، وهذه ضلالات حب، تندرج تحت المرض النفسي.

حالة أخرى كان يعالجها الدكتور أحمد هلال، وهى لفتاة عشرينية كانت تحب الفنان حسين فهمي، في شبابه، حباً جنونيا، وظلت على هذا حتى ماتت، ولم تتزوج غيره، وكانت تعتقد أنه يأتيها في المنام، وهذا حب مرضي ناجم عن ضلالات الحب، فالحب المرضى يمكن أن يؤدي إلى بعض الجرائم، وخاصة جرائم القتل، وذلك لكونه حباً غير سليم وغير طبيعي. 

الدكتوة هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب، جامعة عين شمس، قالت لي، هناك أنماط عديدة من الحب المرضي، منها الحب التسلطي، وفيه يتسلط طرف على كل تصرفات وأفعال وآراء طرف آخر، ويكون الآمر الناهي له، ولا يتقبل منه مناقشة أو أي اعتراض، ويقول له باستمرار على عكس الحقيقة والواقع: "أنا بعمل كدة عشان بحبك" ، وهو في الحقيقة يتملكه بحب الامتلاك ويريد أن يتعامل معه كما لوكان مجرد "كرسى" في البيت، ويريد أن يأخذ كل شيء ولا يعطي أي شيء. 

نمط الحب الأناني أيضا يندرج تحت مظلة الحب المرضى، وفيه يكون الشخص أنانى جداً ، ويريد كل شىء لنفسه ، وكلما عاتبه الطرف الآخر يدعى أنه يحبه ويقول له "انت متعرفش بحبك أد إيه" ، وهو في الحقيقة لايحبه ، وهذا يندرج تحت مظلة المرض النفسى. 

الحب الأفلاطوني يمثل النمط الثالث من الحب المرضي، وفق تأكيدات الدكتورة هبة العيسوي، وفيه يحب إنسان إنساناً آخر من بعيد لبعيد، دون أن يكون بينهما أي شيء، أو تعارف أو تبادل مشاعر مطلقاً، وهو حب غير صحي وقائم على الوهم، وفيه يعذب الإنسان نفسه بلا طائل، ويتألم بسبب أنه موهوم بأنه فعلا يحب. 

وعندما يصل الحب إلى الغيرة المرضية ، فإنه يتحول لحب مرضى ، وهذا هو النمط الرابع لحب المرض النفسى ، وفيه تصل درجة الغيرة والشك إلى حد تفتيش الملابس والمشي وراء الطرف الآخر في الطرقات، وعند العتاب أو الاعتراض تجده يقول له أنا أفعل ذلك لأني بحبك جدا، في حين يصرخ الطرف من داخله قائلا "يغور الحب وسنينه"، فأنماط الحب المرضي، وفقا للدكتورة هبة العيسوي، تؤدي إلى الإصابة بالقلق واليأس والاضطراب والإحباط، وكلها أمور تسبب الاكتئاب. 

أنماط الحب المرضي تكون المشاعر فيها غير منطقية، وتكون نتيجة لرواسب اجتماعية وعقد نفسية أصيب بها الشخص في حياته، وخاصة في طفولته، والطرف المريض فيها غالباً لا يكون شخصا سويا، ولعلاجه لابد من الذهاب لطبيب نفسي لمعرفة الدوافع التي أوصلته إلى ذلك، فما يهم الطبيب هو الدوافع ليوضحها للمريض لكي يغير من سلوكه، فالطبيب النفسي لا يقول للمريض "افعل ولا تفعل"، وكل طبيب نفسي قد أقسم عقب تخرجه على عدم فعل ذلك مع مرضاه ، واختتمت كلامها بأنها التقت حالة في عيادتها وعالجتها، وهى سيدة طلبت الطلاق من زوجها وكان رجلا محترما، وطلقت بالفعل، وتزوجت السائق، وهذا يندرج تحت الحب المرضي.