ملحة عبد الله.. أنامل ذهبية صنعتها «الواقعية السحرية»
الثلاثاء 15/يونيو/2021 - 09:45 م
الكثيرون يكتبون، لكن القليل منهم فقط يستطيع الغوص في أعماق الشخصية العربية واستكشاف خباياها، لا سيما إن تميزت كتاباته بـ«الواقعية السحرية» القادرة على التأثير الفعلي لدى المتلقي.. هذا ما بدا واضحًا في مجمل أعمال الأديبة السعودية د. ملحة عبد الله، صاحبة التاريخ الطويل الممتد بجغرافيا إبداعية خاصة تمثل "بطاقة هوية" للمرأة السعودية خاصة وللمرأة العربية بشكل عام.
النشأة والمولد
ولدت الدكتورة ملحة عبد الله عام 1957 بمدينة أبها في جنوب السعودية. تزوجت في سن الـ 14 وتنقلت ما بين السعودية، وسوريا، وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يستقر بها المقام في مصر، حيث أكملت دراستها الثانوية بها وحصلت على درجة البكالوريوس في النقد والدراما من أكاديمية الفنون في مصر، ثم حصلت على درجتي الدكتوراه والماجستير في النقد والدراما وفلسفة المسرح، وعملت مراسلة لعدة صحف سعودية من القاهرة، وأنجزت خمسة وخمسين نصًا مسرحيًا، عرضت منها أربعةٌ وأربعون رواية، بالإضافة إلى ثلاثة مؤلفات في النقد المسرحي.
سيدة المسرح
لُقبت الدكتورة ملحة عبد الله بـ"سيدة المسرح السعودي"، كونها تكتب وعينها على الشخصية العربية، تكشف عن مكنونها وتزيح الستار عن كل ما يواريها كي تتجلى للناظرين بكل ما فيها.. مالها وما عليها، إذ تعتمد "عبد الله" في كتاباتها المسرحية التي تجاوزت 55 نصًا على إظهار مواطن القوة في الشخصية العربية، لكنها لا تغفل جوانب الضعف أيضًا، وتكشف عن مساعٍ حثيثة يمارسه الآخر لتشويه الشخصية العربية ذات الجينات الخاصة النادرة، تكشف في "التميمة" و«عندما تموت الثعالب» و«انتحار المواطن دو» و«العازفة»، «المسخ»، «أم الفأس»، « مواطن رغم أنفه»، «المتاهة» و«العازفة» وغيرها من النصوص المسرحية أن ثمة من يتربص بنا، وتدق جرس الإنذار للتنبيه من خطورة ما يحيق بالعرب أرضًا وشعبًا وحضارة.
البعد الخامس
كان لنظريتها "البعد الخامس" أثر بالغ في تطوير المسرح العربي، وهي العربية الأولى الحاصلة على الدكتوراه الفخرية في المسرح من منظمة الأمم المتحدة "يوناريتس"، كما نالت جائزة اليونسكو للمونودراما، إضافة للعديد من التكريمات والجوائز المحلية والعالمية في المسرح والتأليف، وتواصل مساعيها لربط الإنسان العربي بعالمه، وليس بعوالم أخرى كما يراد له أن يصبح دون قيم أو تاريخ أو انتماء أو هوية أو عرق أو لغة أو حتى دولة، معتبرة أن الذهنية العربية فريدة لا مثيل لها، ولكنها تتأثر سلبيًا، لذا توصي دائمًا في أعمالها التي ينتمي معظمها إلى مدرسة "الواقعية السحرية" بضرورة تغذية الروافد الحية التي نمتلكها كعرب ورفض ثقافة طمس الهوية وعدم الانتماء.
ونظرية البعد الخامس التي حازت بها درجة الماجستير من الولايات المتحدة الأمريكية، تختص بالوجدان كهدف أساسى، ترسل إليه رسائلها طوعا دونما غصب لتضع المتلقي تحت تأثيره، من خلال ثلاثة محاور «السرد، العقيدة، إثارة الخيال»، وهى التى تستطيع أن تنفذ إلى العقل، وتجعله يتفاعل أو يتعاطى مع المشاعر.
اقرأ أيضًا..
معركة الوعي
ككل أبيّ، تحاول ملحة عبد الله، أن تشحذ الوجدان العربي وأن تضم في كل يومٍ صفًا جديدًا إلى جيش النخبة الذي يسعى إلى حسم معركة تصحيح الوعي وتقويم الإدراك، وشحذ الهمم وبث روح الأمل والاتكاء على التاريخ العريق الضارب في القدم كي تعود الريادة للعرب، كل ذلك من خلال سلاحها الذي اختارته مبكرًا جدًا "القرطاس والقلم"، فتدعو دائمًا إلى استنهاض الذات العربية وإعادة تنشيط حضارتنا الغافية قليلا تحت تراب التقليد الأعمى، والتي ما إن يُرفع عنها التراب تلمع مجددًا ويعود بريقها منارة تهدي العالم كله.