أماني القصاص تكتب: وقت الشتيمة
الإثنين 31/مايو/2021 - 09:42 م
علمونا في طفولتنا أن الطفل المؤدب هو: من لا يفعل ما أطلقوه عليه (العيب) وهو عدم اللياقة حسب كل مجتمع وتقاليده، سواء أكان هذا العيب فعلاً سيئاً أو لفظاً غير مناسب أو حتى تعبيرًا عن الاستياء من أشخاص أو أماكن، وبالطبع تعودنا أن نقمع كل هذه المشاعر أو حتى التعبيرات داخلنا كي نصبح (أطفالاً مؤدبين)، ومَرضِي عنا ممن وضعوا لنا هذه القواعد التربوية والاجتماعية، واستمرينا نطمح لهذا الرضى مهما كبرنا، فنحن نُخفي أو ندفن ما يجب التعبير عنه مهما كلفنا الأمر نفسياً طوال حياتنا نتيجة كبت المشاعر السيئة وتحمل المواقف المسيئة دون أي تعبير عما يحدث بداخلنا سواء أكان الموقف بسيطًا أو معقدًا المهم هو كبت المشاعر لكن هل هذا هو المفروض فعلاً أم أن هذا مضر لنفوسنا التي قد تمرض من فرط الخجل أو جلد الذات أو الخوف من الرفض الاجتماعي أو النعت بما لا نحبه وسط مجتمعنا أو أُسرنا؟
عن ضرورة تفريغ أي مشاعر سلبية منذ الطفولة كتبت الكاتبة الأمريكية (جل ماكوركل) في كتابها الشهير The best americal essay 2009 عندما دخل ابني المدرسة، أعطيته الأذن بما أسميناه "وقت الشتيمة"
بدأ الأمر حين وجدته يغمغم بينه وبين نفسه بمفردات "جديدة" بينما كان يركب السيارة أو حين يرسم. وعندما أدرك أنني كشفته، شعر بالحرج، فأخبرته أنني أتفهم هذا الإلحاح في اختبار كلمة وكم ضروري أن يقوم بذلك. هكذا اخترعنا "وقت الشتيمة"؛ كلّ يوم لمدة خمس دقائق بعد المدرسة مباشرةً يستطيع أن يقول أي شيء يريده.
كان يعود من المدرسة مهرولاً ليثب فوق الأريكة ويصرخ بطريقة بهلوانية وما إن يرنّ المنبه، تتوقف كلّ كلمات الشتيمة حتى اليوم التالي
عندما كنت طفلة كانت عقوبتي حين أتلفظ بهذه الكلمات أن أغسل فمي بالصابون، غير أن امتلاء وجهي بالرغوة يجعلني أكثر غضباً وتصميماً على قول كل الكلمات أكثر من ذي قبل. هذا قانون من القوانين الأساسية في الطبيعة البشرية، أليس كذلك؟
إذا ما سلبت الحق في قول كلمة "اللعنة"، فإنك تسلب الحقّ في قول "اللعنة على الحكومة" مستقبلاً. وربما كان اختراع القوانين يتمحور في الأساس حول هيمنة شخص آخر عليك. كثيراً ما فكرت كم كنت سأكون شخصاً أفضل وأكثر جدارة بالثقة إذا تربيت على "وقت الشتيمة" بدلاً من لعق الصوابين ...!
وفي علوم الوعي يشير المعلم السوداني (طارق هاشم) إلى أننا لكي نغفر لشخص أو لحدث سيء مر بحياتنا مسبقاً يجب أن نخرج كل ما بداخلنا من مشاعر سيئة تجاهه حتي لو بالشتم والسب والضرب أحيانا (وغالباً يتم هذا بشكل تخيلي بيننا وبين أنفسنا) وذلك لنخرج هذة الشحنة التي تتخزن في قلوبنا وفي أجسادنا كأمراض نتيجة لعدم التسامح، أو كبت المشاعر، وعدم تجاوز ألم ما حدث من هؤلاء الأشخاص أو الأحداث والمواقف، وعندما يتم تفريغ هذه الشحنة برفع المشاعر إلي أقصى درجة ممكنة دون أي تجميل نستطع بعدها الغفران للعيش بسلامة نفسية وجسدية أكبر.
الأهرام