الأستاذة مفيدة عبد الرحمن المحامية.. أول زوجة في الحرم الجامعي
في يناير من عام 1914، ولدت مفيدة عبد الرحمن، لأبٍ يعمل موظفًا في الحكومة، وفي فترة بعد الظهر كان يعمل في مطبعته الخاصة وسط حي الدرب الأحمر في القاهرة، والتي تُعني بطباعة المصحف الشريف، فكان يرصّ قطع الزنك متجاورة ويضغطها فتصنع حروفًا متشابكة، وكلما أنجز نسخة تضرع إلى الله أن يجعلها في ميزان حسناته وأن يبارك ه في أبنائه الخمسة، والتي كانت من بينهم "مفيدة"، التي نشأت طفلة هادئة يغلب عليها الصمت دائمً لكن تصرفاتها كانت أكبر من سنها بكثير.
التعليم سلاح
كان الأب يرفع دئمًا شعار "التعليم سلاح"، فحرص على تعليم أطفاله، حتى تخرجوا في الجامعة، وكانت مفيدة من أوائل الفتيات اللائي التحقن بكلية الحقوق، لكن الأب المثقف المطّلع دائمًا على العديد من العلوم، لم يستطع التخلص من بعض الموروثات الشعبية والتي كان أبرزها في ذلك الوقت تزويج البنات في سن مبكرة، وهو الأمر الذي كاد يقضي على مستقبل "مفيدة" الجامعي.
استطاعت أن توفق بين دراستها وبيت الزوجية، بعد نجاحها في الطعن على القانون الذي يحرم المتزوجات من الالتحاق بجامعة فؤاد الأول، لتصبح أول زوجة في الجامعة، قبل أن تصبح أول محامية أنثى في الوطن العربي كله في وقت كانت مهنة المحاماة حكرًا على الرجال، وعندما تخرّجت في الجامعة عام 1952، كانت قد أنجبت 4 أبناء، وتمكنت أيضًا من الحصول على أول وظيفةٍ في حياتها، براتب شهري 7 جنيهات.
قضايا الرأي العام
ولأنها اختارت التحدي سبيلًا، فسرعان ما أصبحت واحدة من أبرز العاملين في مجال المحاماة، وكانت أول محامية تقف داخل أروقة محكمة النقض المصرية، وأول مصرية تُشارك في لجنة تعديل اللوائح والقوانين، ولمع نجمها حتى ترأست الاتحاد الدولي للمحاميات والقانونيات، وتمكنت من الترافع في أكثر من 400 قضية مهمة، مما يطلق عليها الناس قضايا الرأي العام.
حكاية الأستاذة مفيدة
يرى كثيرٌ من النقاد والمتابعين، أن فيلم "الأستاذة فاطمة"، الذي قامت ببطولته الفانة الراحلة فاتن حمامة أمام النجمكمال الشناوي، وأخرجه فطين عبد الوهاب للسينما عام 1935م، هو جزء من السيرة الذاتية للمحامية المخضرمة والنائب البرلمانية مفيدة عبد الرحمن، والذي يحكي قصة شاب وفتاة تخرجا في كلية الحقوق وجمعتهما علاقة حب، ولكن الشاب كمال الشناوي كان يرى أن خطيبته شادية لا تصلح لممارسة المحاماة، غير أنها استطاعت بإصرارها وتمسكها بالمباديء أن تتفوق عليه رغم ما عانته من صعوبات، وتنجح في إنقاذه هو شخصيًا من حبل المشنقة عندما يتعرض ظلمًا للاتهام بالقتل.
اقرأ أيضا.. «القناصة».. مي آل خليفة أول وزيرة للثقافة في البحرين
الطريق إلى البرلمان
ونظرًا لما تتمتع به من قدرة فائقة على تسيير الأمور، تم انتخابها كعضوٍ في مجلس الأمة، لعدة دوراتٍ وحين بلغت الثمانين من عمرها، قررت التقاعد عن العمل نهائيًا، وتوفيت عن عمر يناهز الـ88 عامًا، في 3 سبتمبر عام 2002، بعد 50 عاما كاملة من العمل في المحاماة، وحياة زوجية مستقرة أنجبت خلالها 9 أبناء.