لبني الحرباوي تكتب : تفلسفوا تصحوا
في محاولاتي إقناع ابنتي بأن تكون لطيفة، سألتني هل يجب أن أكون لطيفة أيضا مع الأشرار الذين يشبهون أولئك الذين يظهرون في الرسوم المتحركة. لم أعرف بما أجيبها ووجدتني أصيغ إجابة فلسفية لسؤال فلسفي.. مازلت أظن أن الأطفال فلاسفة بالفطرة قبل أن تتسلل إلى أدمغتهم الحدود التي وضعها البشر لأنفسهم.
لكن هل يمكن للّطف أن يغيّر الأشرار؟ شخصيا لا أعتقد لأن الأشرار غالبا يزيد شرهم مع اللطفاء وقد يلزمون حدودهم مع الأشخاص “الأشرّ منهم”.
إن ما يسبب معاناتنا نحن البشر ليست الأحداث بحد ذاتها بل رأينا فيها. هذه الفلسفة مفيدة جدا لأنها تمنحنا بعض القدرة على التحكم في عواطفنا. كأن نتألّم مثلا من فعل شخص لطالما اعتبر لطيفا، وما إن يتحول ذلك الشخص في معتقداتنا إلى شرّير سنستطيع حينها أن نتفلسف، فلا نلقي بالا لأفعاله وبالتالي نتحكم في عواطفنا وردات فعلنا.
تشير الرواقية، التي تندرج ضمن فلسفة الأخلاقيات، إلى أنه لا يمكننا التحكم في ما يحدث لنا، يمكننا فقط التحكم في كيفية تفاعلنا معه. لذا، فإن التركيز على ما هو تحت سيطرتنا وقبول ما هو خارج عن إرادتنا هو رأي سديد.
تبدو الإجابة المناسبة لي “كفى فلسفة”.. هذه الإجابة السهلة دائما ما نتلقاها، ليس شرطا من البشر بل حتى من أدمغتنا التي استسهلت الإجابات الجاهزة، عندما نقدّم أفكارا خارج الصندوق أو نفكر في مواضيع مهمّة دون القيام بأشياء عملية غالبا أو حين نقدّم تفسيرات جديدة لأشياء تبدو واضحة وضوح الشمس.
نستخدم نحن العرب على نطاق واسع عبارة “كفى فلسفة” وكأن الشخص الذي يتفلسف مذنب، رغم أن الفلسفة تعني حرفيا “حب الحكمة”. هذا الحب والتساؤل هو الذي يستنبط أفكارا جديدة يمكن أن يكون لها تأثير عميق على الإنسانية.
لا يعرف أولئك الذين يزرعون عبارة “كفى فلسفة” أن الفلسفة جزء لا يتجزأ من كل شيء. لدينا جميعنا فلسفاتنا، تشكل أساس دوافعنا وما نفعله في أيامنا هذه. لكل فرد فلسفته الخاصة في الحياة.. لكن بالنسبة إلى معظمنا، هذه الفلسفات تلقائية وغريزية إلى حد ما.
اعتقد الإغريق القدماء أن الفلسفة هي دواء للروح. قال سقراط “أعلم تلاميذي كيفية الاعتناء بأرواحهم”. وقال الكاتب الروماني شيشرون “هناك فن طبّي للروح، اسمه فلسفة”.
كان لدى الفلاسفة اليونانيون فكرة أن الفلسفة يجب أن تكون ممارسة يومية. مع الممارسة، تصبح الفلسفة عادة تلقائية متأصلة.
تفلسفوا لكن تذكروا ليست كل الفلسفة علاج، فبعض الفلسفات تجعل الوجود الإنساني لا يحتمل.