في ذكرى ميلاد السوداء الوحيدة «صاحبة» نوبل.. توني موريسون روائية تحارب التمييز
بسبب زيادة مادة "الميلانين" في بشرتهم، عانى وتعذب السود ما يقرب من خمسة قرون وسط البيض في الأمريكتين، بدايةً من "كونتا كونتي" مرورًا بـ "جورج فلويد" شهيد التنفس، وأبرز من أنصفتهم وواجهتم بالحقيقة في ذات الوقت هي "توني موريسون"، المرأة السوداء الوحيدة الحائزة على جائزة نوبل في الآداب، وقد تمكنت توني لجودة قلمها وقوة كلمتها بأن تلقي الضوء على تاريخ الأميركتين، من خلال بناء شخصيات "سمراء" مازالت حية في عقل قراءها، والتي تحل ذكرى ميلادها اليوم 18 فبراير.
وفي صراحة وجرأة قالت توني موريسون في حوار صحفي أجرته معها مجلة فيسولوجي: "خلال حقبة السبعينيات، ومع بزوغ حركة "Black Power" "القوة السوداء"، بدأنا نقرأ هذا الشعار في جميع شوارع نيويورك، "الأسود جميل"، وعندما كنت أسمع أحدًا يردد هذا الشعار بالقرب مني، كانت تستبد بي الرغبة في أن أرد عليه، "ما هذا الهراء؟ هل لي أن أذكركم بأن الأسود لم يكن أبدًا جميلًا؟
وتابعت، فالعنصرية خلفت لدى السود إحساسًا شديدًا بالاشمئزاز من أنفسهم، ومن وجهة نظري، إن التصدي لهيمنة البيض، بالاحتماء وراء "القوة السوداء"، يعني أن السود ما يزالون حبيسي نظرة الآخر إليهم".
وأضافت: "الأسود جميل؟، حسنًا، لا مشكلة، لكن ذلك لا يعدو أن يكون فكرة نمطية أخرى، وأنا لم أقبل، يومًا، أن أشكل نفسي وفق الطريقة التي يراني بها الآخر، كانت طريقتي بالمقابل تقوم على تصفية القمع في داخلي، تمامًا، وبعد ذلك، فقط، يفتح لي الكون ذراعيه، ويصبح كل شيء ممكنًا، لأنني بذلك لا أكتفي برد الفعل، بل أتمكن من البلوغ إلى حقيقتي في عمقها ".
وعن سبب اختيارها لفترة الخمسينيات كزمن لأحداث روايتها الشهيرة "الديار"، والتي دارت في أمريكا، قالت "توني"، إن أفضل طريقة لفهم مشكلات أي حقبة زمنية، وفهم أفرادها، تكون باستكشاف البذور التي تم زرعها في الماضي، والتي ما تزال ذاكراتنا تحتفظ بها، رغم النسيان، ورغم المراجعات المثالية التي يمكن أن يقدمها البعض للأحداث التي طبعت هذه الحقبة.
وتابعت، فالتاريخ الرسمي يقدم حقبة الخمسينيات بوصفها فترة رائعة، مثل ما نشاهد في المسلسل التليفزيوني الشهير Mad Men، إذ كانت الحرب قد انتهت لتوها، وكان الناس يكسبون الكثير من الأموال فيشترون المنازل ويذهبون إلى الجامعات، غير أن سنوات الخمسينيات عرفت بانتشار المكارثية فكان الناس يتعرضون للاضطهاد الشديد بسبب آرائهم السياسية.
وأوضحت "توني" أن بعض الأطباء كانوا يجرون تجارب على رجال سود مصابين بالزهري، وهذا ما أطلق عليه حينها medi cal apartheid - التمييز العنصري الطبي، فكان هؤلاء الأطباء يفعلون ذلك بدعوى علاج المرضى، لكنهم في الحقيقة، كانوا يفحصون آثار المرض باستعمال نماذج تجارب آدمية.
وأضافت أنه أيضا كانت في فترة الخمسينيات الحرب الكورية التي لم يكن أحد يتحدث عنها، فبالنسبة إليها، اختارت أن تقذف بفرانك ماني، بطل روايتها "الديار"، في هذا السياق الزمني المضطرب رغبة في مساءلة قضية تطرح، في الواقع، نفسها، في كل الأزمنة: فما معنى أن تكون رجلًا وسط محيط كل عوامله تتأمر لتشعرك بالدونية، وبانعدام الكرامة، وانعدام الرجولة؟
وعن حياتها الشخصية في حقبة الخمسينيات التي عاشتها هي في ريعان شبابها، قالت، إنها كانت رائعة، فلقد حصلت على شهادة الثانوية العامة في السابعة عشرة، ثم التحقت بالجامعة، وكانت تحضر بحث دكتوراه حول رؤية كل "ويليام فوكنر" و"فرجينيا وولف"، للانتحار، فهو علامة على الفشل بالنسبة إلى ويليام، وتعبير مثالي عن الحرية بالنسبة إلى "فرجينيا".
وتصف نفسها وحياتها، بقولها: "كنت أتدفق بالطاقة، كنت ذكية، وكان لدي اعتقاد أن بوسعي فهم كل ما يحيط بي، كنت محبوبة لدى عدد كبير من الناس، ولم أكن أعبأ بالباقين، كان لدي غرور الشباب، إنه إحساس رائع!، بعد ذلك، بدأت أشتغل ثم تزوجت ورزقت بأطفال، ثم حدث لي ما يحدث للجميع، تقريبًا أهملت نفسي بعض الشيء، لكن هويتي الحقيقية بقيت هناك، في سنوات الخمسينيات".
وتابعت أنه سياسة التمييز كانت تطبق بشكل كبير، وكانت تدرس في جامعة هوارد- »Howard وهي جامعة مخصصة للسود، فقط، ولم يكن يسمح لهم باستعمال دورات المياه العمومية، ما عدا مكانًا وحيدا تابعًا لأحد الأسواق، وكان في ذلك الوقت يشعرها بالمرح أكثر من أي شيء آخر، في تلك الفترة، فكانت واشنطن مليئة بطبقة من السود يشتغلون لحساب الحكومة، ولقد كانوا يشكلون طبقة وسطى ميسورة، وكان بوسعها أن تشرب من جميع النافورات، مع بعض الاستثناءات.
وقالت عنها:"لقد كنا نعيش معًا، دون أن ننتبه إلى ما يحيط بنا من أسوار، وبدأت أعي بوجود التمييز ضدنا، عندما بدأت أقوم بجولات في الجنوب الأميركي بصحبة الفرقة المسرحية للجامعة التي كنت أنتمي إليها، كنا نسافر سرًا، وكان بعض الناس يوجهوننا، ويمدوننا بالمساعدة، هناك طباخ أعرفه في "Waldorf Storia"، اذهبوا لمقابلته، قولوا إنكم من طرفي وسيتكفل بإطعامكم، عندما كنا نجد أن أماكن النوم المخصصة لنا غير لائقة، ونبحث، في دليل الهاتف، عن قسيس أسود يتكفل بالبحث عن أُسر يمكنها استضافتنا، هذا بالضبط.
وتابعت، وهذا ما أردت إبرازه من خلال قصة "فرانك": حين كان يمنع من تناول الطعام أو الاستحمام في مكان، لم يكن يثور جراء ذلك، أبدًا، فأنا لم أكن أشعر بالغضب حينها، لكني شعرت به في وقت لاحق، حين بدأت أسمع الكلمات التي يتفوه بها بعض المرشحين للرئاسة، وحينما عاينت طريقة بعضهم في محاولة تبرير الجرائم العنصرية،وجدت أنه لايسطيع أحد الآن أن يجاهر بالحقد والكراهية، ولكن الحقد، مع ذلك، يبدو واضحًا في بعض الخطابات التي وإن سعت إلى الحياد، قدر الإمكان تبقى صادمة، رغم كل شيء.
وعن مشوارها الإبداعي قالت "توني": "مارست الكتابة لملء أوقات فراغي، فأنا كتبت رواية "العين الأكثر زرقة "، وكان عمري، وقتها 39 سنة وكنت أربي ولدي بمفردي، وجاءت بعد انضمامي إلى ورشة للكتابة، كنت أود كتابة قصة طريفة أثرت في بشكل كبير، فعندما كنت صغيرة كنت أتجادل أنا وصديقة لي حول وجود الله، إذ كنت أؤكد أن الله موجود بينما كانت هي تنفي ذلك، تمامًا، والسبب في موقفها، كما حكت لي، هو أنها قضت سنتين كاملتين تتضرع إليه كي يمنحها عينين زرقاوين، إلا أن شيئًا من ذلك لم يتحقق، أتذكر أنني، حينها، فكرت: كم كانت صديقتي ستبدو سخيفة بعينين زرقاوين!، وفي الوقت نفسه تنبهت إلى أن الفتاة تبدو جميلة كما هي عليه".
وأضافت: "كانت تلك أول مرة أستوعب فيها معنى "الجمال الفريد"، ذلك الجمال الذي يتمتع به كل منا، تمامًا، كما هو عليه، وكنت أتوق لفهم السبب الذي يمنع صديقتي من رؤية ذلك الجمال، حتى أتمكن من أنسج خيوط قصتي حول ذلك".