الأربعاء 05 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم ميسون الدخيل: فخ الارتباك والتناقض

هير نيوز

عثرت مؤخرًا على معلومتين مثيرتين للاهتمام على الإنترنت - تجربة أسعدتني وأرعبتني في آن واحد، أشبه باكتشاف فأر في المطبخ لكن فضولي يمنعني من إبعاده. هذه المقاطع، وإن بدت متباينة، إلا أنها تعكس سردية عالمية مألوفة، تتردد أصداؤها عبر الثقافات والحدود؛ ففي عصر أصبح فيه العالم أكثر ترابطًا من أي وقت مضى، تطفو الأفكار والانتقادات المجتمعية نفسها على السطح، كاشفة عن صراع جماعي يتجاوز الحدود الجغرافية. لذا، دعونا نغوص في هذا المزيج الرائع من النقد المجتمعي، ونستكشف كيف وقعنا في فخ الارتباك والتناقض.

أولاً، لنتأمل في المخطط الكبير الموضح في المقطع الأول، حيث فصل أذكى الكائنات على هذا الكوكب بشكل منهجي عن معنى حب الذات الحقيقي؛ تقدير الشخص لنفسه وقبولها كما هي، بما في ذلك نقاط القوة والضعف. هذه ليست مجرد نظرية مؤامرة؛ إنها درس متقن في التلاعب، لقد روضنا على الاعتقاد بأن كوننا على سجيتنا خطأ إذا انحرفنا عن القاعدة «المقبولة»، فمنذ الصغر، ندفع إلى مؤسسات تمطرنا بالمعلومات، وتختبر امتثالنا حتى نصبح مجرد طائرات مسيرة، يا لروعة التعليم الحديث... إنه أشبه بمصنع يموت فيه الإبداع، ليحل محله سعي دؤوب وراء إجابات موحدة!

تخيل عالمًا يقال فيه للأطفال إن وجهات نظرهم الفريدة غير ذات صلة، وإن تجرؤوا على التعبير عنها، فإنهم يواجهون بالسخرية. هذا هو أساس مجتمع يزدهر بالتوافق، حيث يعادل التشكيك في الوضع الراهن المعاداة؛ في بيئة كهذه، لا عجب أن ينشأ كثيرون معتقدين أن السعادة تكمن في تغيير تركيبتهم البيولوجية أو في السعي وراء شكل مثالي بعيد المنال؛ نُغذى بجرعة ثابتة من معايير الجمال غير الواقعية وأنماط الحياة التي تشعرنا بالنقص، بينما يقال لنا إن قيمتنا تتحدد بعدد متابعينا على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

في هذه الأثناء، ينتقد المقطع الثاني بسخرية تصوير الحركة النسوية لربات البيوت كبقايا من عصر الجواري، عالقات في رحابة «معسكر اعتقال» للحياة المنزلية. وهنا نجد السخافة التالية: الدفع المستمر للنساء للانضمام إلى القوى العاملة، كما لو كانت الأمومة مرضًا يحتاج إلى علاج بوظيفة من السابعة صباحًا إلى الرابعة مساءً! «أتعني أنك تستمتعين بتربية أطفالك حقًا؟! ما خطبك؟!» هذا هو السؤال الموجه لمن يجرؤن على اختيار دوام كامل من مسار الأمومة، كما لو أن اختيار السعادة المنزلية أشبه بارتداء لافتة تقول: «أنا أدنى فكريًا!»

في هذا العالم الجديد، الرسالة واضحة: يمكنك اختيار مسارك، لكن إذا كان يتضمن أدوارًا تقليدية، فلا بد أنك ضحية جهلك... أليست هذه المفارقة عجيبة؟! يقال لنا إن التحرر يكمن في الاختيار، بينما نوبَخ في الوقت نفسه على خياراتنا! فماذا يحدث عندما تدخل المرأة سوق العمل؟ تجد نفسها توازن بين وظيفتين بدوام كامل، واحدة في المكتب وأخرى في المنزل، مما يؤدي إلى الإرهاق والشعور العميق بالنقص، هل هذا هو التحرر الموعود؟! أم إنه مجرد حيلة ذكية لضمان أن يكون الجميع بائسين على قدم المساواة؟!

تستمر المفارقة ونحن نراقب البنية المجتمعية التي تبقينا تحت السيطرة، حيث يصور المقطع الأول ببراعة عالمًا ترتبط فيه قيمتنا الذاتية بمنصات رقمية تحولنا إلى مجرد أرقام، بينما يسلط المقطع الثاني الضوء على ازدراء ربات البيوت، وكأن رعاية الأطفال وإدارة شؤون المنزل مهمتان لا تستحقان الاحترام! معًا، يرسمان صورة لمجتمع يزدهر بالانقسام، حيث نواجه بعضنا البعض - نساء عاملات مقابل ربات بيوت، كل مجموعة مقتنعة بأن الأخرى تعيش كذبة!

وماذا عن القصف المستمر من الرسائل التي تخبر الشباب أن وجودهم عشوائي وبلا هدف؟ يحاولون إقناعهم بأن أسلافهم كانوا قساة وهمجاً، وأن صراعاتهم الحالية في الحياة تافهة! هنا يلتقي هذان المساران: ففي عالم تسوده الفوضى، نجبر على الحكم على بعضنا البعض بدلًا من بناء روابط! ما الهدف النهائي إذًا؟ ضمان أنه حتى لو وجد شخصان أرضية مشتركة، فإن أحدهما سيخون الآخر، مما يرسخ الانقسام!

دعونا نتأمل للحظة عبثية وضعنا؛ نعيش في مجتمع يروج لحب الذات، وفي الوقت نفسه يهزأ ممن يختار مسارات تحيد عن المألوف! تتجلى المفارقة جلية عندما ندرك أن الهدف هو تولد لدينا مشاعر القصور والانفصال؛ نمطر برسائل تشجعنا على أن نكون على سجيتنا، بينما غالبًا ما ينبذ من يجرؤون على العيش بصدق بسبب خياراتهم، إنها مفارقة تشبه مأساة يونانية، ولكن مع عدد أقل من الأبطال وأعداد كبيرة من «الوسوم»!

بينما نشق طريقنا في هذا المشهد العبثي، علينا أن نسأل أنفسنا: هل نحن أحرار حقًا؟ هل خياراتنا حقيقية، أم إنها مجرد أوهام من صنع أولئك المستفيدين من انقسامنا؟ تكمن المفارقة الحقيقية في أن الأنظمة التي تعد بالتحرر غالبًا ما تكون هي نفسها التي تقيدنا في سلاسل من صنعنا، نحن منشغلون بالنضال من أجل حقوقنا وهوياتنا لدرجة أننا نفشل في إدراك القوى الكبرى الفاعلة، مستغلين صراعاتنا لإبقائنا مشتتين ومنقسمين!

فلنتأمل إذن هذه السلسلة من التساؤلات المثيرة للتفكير والتعمق: في عالم نطالب فيه اختيار مساراتنا، هل ببساطة نختار الأكثر راحة من بين أشكال الاستعباد؟ هل استبدلنا التواصل والتفاهم الحقيقيين بوهم يدعى «الاختيار» لنجد أنفسنا تائهين في متاهة من التوقعات والضغوط المجتمعية؟

ونحن نقف عند هذا المفترق من الحياة التي يطلق عليها عصرية والتي تتصف بالحضارة والتمدن والثقافة المشتركة، لا بد من التساؤل:

هل السعي وراء السعادة مجرد سراب، أم إنه غاية نسينا كيف نسعى إليها؟

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط