الجمعة 20 سبتمبر 2024 الموافق 17 ربيع الأول 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
ads
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بقلم عبدالله فدعق: راح محسن للمحسن

الجمعة 20/سبتمبر/2024 - 02:58 م
هير نيوز

فوجئ المجتمع المكي وأخص من له علاقة بشرف خدمة ضيوف الرحمن، بانتقال أخي وجاري في «حارة الباب» بمكة، المطوف مُحسن بن حسين بن محسن الحِبْشي، للرفيق الأعلى، غرة ربيع الأول، بالقاهرة، التي ولد فيها، قبل 65 سنة، وصلي عليه بالمسجد الحرام، بعد صلاة فجر الجمعة، وواراه لمثواه الأخير في «المعلاة» جم غفير، شهدوا له بالمكارم والمحاسن، وازدحم المعزون طيلة أيام العزاء الثلاثة.

عندي من القصص عن الفقيد أشياء وأشياء، وعند غيري من الملتصقين به -رحمه الله- أكثر مما عندي، وستظل المحكيات عنه متداولة في الذاكرة. وهنا أتذكر وأذكر كلام محمد الطنجي، الشهير بابن بطوطة، في فصل «أخبار أهل مكة»، من كتاب «تحفة النظار»، الذي شهدته واقعاً عملياً في الحبيب محسن؛ يقول ابن بطوطة عن رحلته لمكة المكرمة: «يعرف أهل مكة بالأفعال الجميلة والمكارم التامة والأخلاق الحسنة والإيثار للضعفاء والمنقطعين وحسن الجوار للغرباء، ومن مكارمهم أنهم متى صنع أحدهم وليمة يبدأ فيها بالطعام للفقراء المنقطعين والمجاورين، ويستدعيهم بتلطف ورفق وحسن خلق ثم يطعمهم، وأكثر المساكين المنقطعين يكونون بالأفران حيث يطبخ الناس أخبازهم، فإذا طبخ أحدهم خبزه واحتمله لمنزله، فيتبعه المساكين، فيعطي لكل واحد منهم ما قسم له، ولا يردهم خائبين، ولو كانت له خبزة واحدة فإنه يعطي ثلثها أو نصفها، طيب النفس بذلك من غير ضجر، ومن أفعالهم الحسنة أن الأيتام الصغار يقعدون بالسوق ومع كل منهم قفتان كبرى وصغرى، وهم يسمون القفة مكتلا، فيأتي الرجل من أهل مكة للسوق فيشتري الحبوب واللحم والخضر، ويعطي ذلك الصبي، فيجعل الحبوب في إحدى قفتيه واللحم والخضر في الأخرى، ويوصل ذلك لدار الرجل ليهيئ له طعامه منها، ويذهب الرجل لطوافه وحاجته، فلا يذكر أن أحداً من الصبيان خان الأمانة في ذلك قط، بل يؤدي ما حمل على أتم الوجوه، ولهم على ذلك أجرة معلومة من فلوس؛ وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس وأكثر لباسهم البياض، فترى ثيابهم أبداً ناصعة ساطعة، ويستعملون الطيب كثيراً ويكتحلون ويكثرون السواك بعيدان الأراك الأخضر..».

الظُرف، الذي ذكره ابن بطوطة، كان العلامة الفارقة والبارزة في شخصية المكي الجميل، أخي محسن، فقد كان عنوانا للفكاهة والمزاح، بين كل من ذهب إليهم، أو جاؤوه، يضفي عليهم جواً جميلاً من الدعابة والانبساط، دون إيذاء، يروح عنهم، وعن نفسه، وينسون الهموم، وتخف الضغوطات، ويذهب الملل، وتعم السعادة والسرور. بذكر طُرفة أو نُكْتَة ونحوها مما يشتمل على إدخال السرور، الذي عُد من أحب الأعمال لله؛ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله عزَّ وجلَّ؟ فقال له: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ».

الراحل، محسن حبشي، أبو عبدالرحمن، أحد القلة الذين أجمع على تقديرهم «العربي والعجمي»، و«الأبيض والأسود»، بغض النظر عن مستوياتهم المادية، ومشاربهم المختلفة، وغيرها من المزايا والتمايزات. وسعهم بإقباله عليهم، ومعاملتهم بالحسنى والإحسان، وصدق جده صلى الله عليه وسلم، القائل: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق»؛ سيفتقده محبوه، وسيظل ماثلاً في أذهانهم. أحسن الله إليه، ورحمه وشقيقته «فاتن» التي سبقته بـ30 سنة، وعوض أخاه «حسن»، وأخواته العفيفات «عفاف» و«سمية»، وزوجه المصون «عديلة الحبشي»، وأولاده «عبدالرحمن» و«حسين» و«سوسن» و«خديجة»، والصادقين المخلصين من أصحابه، وعموم أسرته وأرحامه خيرا، وتلقى أموات الجميع بالإتحاف والإجلال والإكرام، والإعظام والرضا والإنعام.

نقلا عن الوطن السعودية


ads