بقلم فاطمة المزيني: غشلخت
صدر كتاب (غشلخت 3) عام 2018 ونقله للعربية الأكاديمي المغربي عز الدين الخطابي بترجمة بارعة. وهو الثالث في السلسلة التي تناول فيها جاك دريدا (1930 - 2004) مقولات فلسفية سياسية متعلقة بالنزعات القومية والجندرية وظل هذا النص مفقودا حتى جمعه ونشره بعد زمن من وفاة جاك دريدا.
لا توجد فيما يبدو ترجمة عربية لمفردة (غشلخت) الألمانية، وهي شاملة لمقولات الجنس والعرق والأمة والإنسانية.
في غشلخت يتبع دريدا مسارات متعددة بغية الخروج بآراء حول المقولات السياسية الإشكالية وأشير هنا إلى محاولته إعادة النظر في النزعة القومية لدى مارتن هايدجر (1889 - 1976) والتي كانت بحد ذاتها قضية لا تخلو من أبعاد فلسفية. إذ يحاول دريدا هنا أن يتمثل مفهوم غشلخت ويقدم هايدجر حسب طريقته وآرائه وليس حسب أسلوبه الفلسفي.
المعروف أن هايدجر كان قد أجرى أعمالا على شعر النمساوي جيورج تراكل (1778 - 1914) شاعر الغموض والتوحد والسوداوية. وفي غشلخت يتناول دريدا أعمال تراكل ويتعرض لتجربته الفلسفية مستحضرا قوة شعره التي تتمثل حسب دريدا في قوة النشيد الذي اعتمده تراكل في محاكاته للمزامير والإنشاد وذلك تحت مصطلح (الغديخت) الذي يقدمه حتى يلج بنا لترجمة عنصر القصيدة. كما تتأتى من المعاني الإنسانية العميقة التي ترافق التطلع نحو السمو والحرية والعدالة وتشكلات الألم الإنساني الناجم عن وجوده ضمن مصطلح (غشبراخ) والذي يمكن فهمه على أنه حوار متناغم بين الفكر والشعر.
ثم يطرح دريدا بعد ذلك الغشلخت مستأنسا بتفسيرات هايدجر بمعنى أنه يقدم قراءة من الدرجة الثالثة أو لنقل نقدا للنقد. فيندد بما يعتقد أن هايدجر طرحه وهو الغشلخت الواحد الذي لا يخلو من حالة سياسية منشؤها الأيديولوجيا النازية.
يتساءل دريدا: كيف يقرأ هايدجر وكيف يكتب؟ وكيف يضع ختمه على نهاية ما يقرأ؟ هل يكتب تأويلا أم هرمينوطيقا أم سردا أم قراءة للشعر أم غيرها كالقراءات الفلسفية بكل تنويعاتها؟
ثم يمضي دريدا عميقا في فكر هايدجر لتحليله إلى أبسط ما يمكن وإزالة القشور عن مقولاته السياسية، كما يفكك الإستراتيجيات الفلسفية التي تناقش مفهوم الاختلاف على أسس القومية والجندر والعرق.
بقي أن نقول إن غشلخت مع أهمية مضامينه ليس كتابا سهل القراءة خاصة مع ندرة المحتوى باللغة العربية حوله، وفي رأيي أنه يحتاج لعدد من المراجعات والمقالات لتحرير القضايا التي تناولها بشكل يسهل التفكير فيها وفهم تشعبها.