بقلم مريم النويمي: صحة المرأة بين الوعي والموروثات الثقافية
رغم التقدم العلمي والطبي، ما زالت صحة المرأة في مجتمعاتنا العربية تخضع لمعادلة حساسة تجمع بين الوعي الحديث والقيود الثقافية المتوارثة.
فالمرأة العربية اليوم تستطيع الوصول إلى المعلومة الطبية بضغطة زر، لكنها كثيرًا ما تتردّد في زيارة الطبيب أو إجراء فحص وقائي خوفًا من وصمة، أو خجل، أو رأي العائلة.
بعض الثقافات ما زالت تربط الحياء بالصمت عن الأعراض النسائية، فتتأخر التشخيصات لأمراض يلعب التشخيص المبكر فيها دورًا كبيرًا في نسبة التعافي كسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم أو الاضطرابات الهرمونية التي تؤدي إلى تأخر الإنجاب أو العقم، وتتدخل العائلة أحيانًا في القرار الصحي للمرأة، خاصة في القرى والمجتمعات الصغيرة، مما يقلل من استقلالها الصحي رغم التمكين.
انتشار منصات التواصل الاجتماعية وكثرة الحسابات والمعلومات الطبية من المختصين وغيرهم، خلق حالة من (الوعي المتذبذب)، قد تقرأ المرأة كثيرًا، لكنها لا تثق بسهولة، مثلًا حينما نظمت وزارة الصحة حملات تطعيمات ضد فيروس الورم الحليمي البشري، مستهدفة الفتيات الصغيرات من عمر تسع سنوات في المدارس، امتنع البعض عن الموافقة، لأنهم يخافون الضرر ويعتبرون أن التطعيم يخص المجتمعات التي يوجد فيها تعدد العلاقات لأن الفيروس ينتقل جنسيًا وأحد أقوى أسباب سرطان عنق الرحم، موروثهم الثقافي أحيانًا يمنعهن من الاعتراف بحدوث العدوى الجنسية، بينما نسبة انتشار الفيروس بين النساء بالمملكة وفقًا لأحدث الدراسات تتراوح بين 10 إلى 30 %، وعالميا بين 30 إلى 70 %. والحياء كثير من الأحيان لا يسمح لهنّ بمراجعة المختصة لعمل مسحة لعنق الرحم لاستبعاد وجود أي تغيرات غير طبيعية، الفحص المفترض أن يتم كل ثلاث سنوات منذ زواج السيدة.
الحياء قيمة إنسانية راقية، لكنه لا يجب أن يمنع العلم ولا الوقاية، السيدة التي تفهم جسدها وتحترم احتياجاته لا تفقد حياءها، بل تكتسب وعيًا يحميها من المرض والضعف، إنّ إعادة تعريف (الحياء) ضرورة ثقافية؛ فهو لا يعني الصمت عن الضرر، بل الوعي المؤدب والمعرفة الواعية.
أحيانًا الخوف يقف حاجزًا بين المرأة وصحتها، القلق المبالغ فيه، بعض السيدات تختار ألا تعرف على أن تعرف، أكتوبر الشهر الوردي الذي كان شعاره (التبكيرة خيرة)، فقد فتحت المستشفيات الحكومية أبوابها صباح، مساء لكل سيدة ترغب في عمل الماموجرام، الخاص بكشف أي تكتلات غير طبيعية في الثدي، لكن اخترن عدد من النساء عدم الفحص، خوفًا من اكتشاف شيء لا يسرها، بينما 99% من نتائج الماموجرام تكون طبيعية، أحيانًا تظنُّ السيدة أن عمل الماموجرام قد يسبب السرطان، أو أن أخذ خزعة من ورم قد يحركه وينشره، مما يعيق التشخيص المبكر والعلاج المبكر، بينما أشعة الماموجرام منخفضة جدًا مقارنة بالأشعة العادية، والخزعة لا تسبب انتشار مرض، بل لمعرفة الورم الحميد من غيره، وإذا ما احتاج الأمر لإجراء آخر أو لا.
صحة المرأة ليست شأنًا شخصيًا، بل قضية مجتمع بأكمله، فالمرأة الواعية تصنع أسرة أكثر توازنًا، وأجيالًا أكثر صحة، ومجتمعًا أكثر استقرارًا، فحين نُعامل صحة المرأة كحق أصيل لا كترفٍ اجتماعي، نكون قد عبرنا من مرحلة الوعي الفردي إلى مرحلة النضج المجتمعي.