بقلم عبير العلي: الابتعاث: الريادة في الاستثمار البشري
تتنافس الدول فيما بينها بمقدار ما تمتلكه من قوة وحضوري سياسي واقتصادي ومعرفي، وما لديها من تاريخ وإرث حضاري وثقافي، وهي بلا شك تتباين تباينا شاسعا حول العالم في هذه الممكنات التي لديها التي تضعها على رأس الحضور العالمي أو تقصيها، وما تضيفه لتنمية وتطورها داخليا، ومدى تمكنها من مجاراة متغيرات العالم والثبات على عنصري التقدم والازدهار.
تلك الصدارة التي تجعل الدول تتزعم الحضور والقيادة عالميا لا يمكن أن تكون إلا بعنصر واحد مهم -يأتي بعد القيادة الحكيمة- تنطلق منه جميع القوى الأُخرى؛ وهو العنصر البشري الذي أن أولي الاهتمام والعناية والتمكين أصبح ثروة تقود الثروات الأخرى وتجددها وتنطلق بها لآفاق أكبر تتجاوز المعيقات وتلغي الثغرات.
«الثروة البشرية» هي الرهان الذي وضعته قيادتنا في المملكة العربية السعودية مبكرا في بناء هذه الدولة، الذي وضعته كخيار لا يقبل التجاهل والتعطيل ضمن رؤيتها الرشيدة –رؤية 2030- بل إنه يوجد بطريقة أو أخرى في محاور الرؤية الثلاث الرئيسة، لأنها جميعا تستند إما على ما يقدم له أو يقوم به أو ما يتوقع منه.
هذه العناية بالثروة البشرية اتخذت في عهد الرؤية أشكالا عدة، لكنها أجمعت على الاستثمار والتنمية والتطوير في جميع عناصر المجتمع ومن كافة الأعمار والأحوال؛ بدءا من رياض الأطفال حتى التعليم المستمر مدى الحياة لكافة الأعمار. وهو ما يُحسن من جودة حياة المواطنين كافة، ويستثمر في مواهبهم وقدراتهم، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة للوطن.
ولعل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث في نسخته الحديثة أحد أهم نماذج الاستثمار في الثروة البشرية في المملكة العربية السعودية، منذ أن أطلقه سمو ولي العهد محمد بن سلمان في مارس عام 2022 بتوجيهات جديدة وإستراتيجيات تتفق ورؤية المملكة الطموحة حتى نسخته الأخيرة التي أُعلن عنها قبل أيام.
ولأن رؤية المملكة تقوم على عدة ممكنات رئيسة فقد اتسق هذا المشروع الكبير معها، واستهدف أن يسهم الشباب من ثرواتنا القادمة من خلال الاستفادة من برامج الابتعاث على أن تكون لهم مساهمة مباشرة في رفع مستويات البحث والتطوير في كافة المجالات بالمملكة، وأن تتواكب مشاريع التعليم والاستثمار المعرفي لهم باحتياجات سوق العمل ومتطلبات المرحلة القادمة لاستمرار التنمية المستدامة لاقتصادات المملكة، وأن تتم الاستفادة في برامج الابتعاث من المواطنين الموهوبين والمبدعين والطموحين.
من أهم ما يميز برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث بمساراته المختلفة تلك العناية التامة من البرنامج في اختيار الوجهات التعليمية حول العالم التي تضم قائمة من أهم الوجهات والمؤسسات التعليمية التي تخدم مختلف التخصصات الرئيسة في سوق العمل، واحتياجات البحث، والابتكار، والتدريب. وهي ما تعطي الملتحق بهذا البرنامج ميزة تنافسية معرفية بين أقرانه حول العالم. كما أن هذا البرنامج بما يحتويه من تسهيلات في الالتحاق به، وشموليته لكافة فئات المجتمع دون اشتراط للعمر أو امتداد التخصص أو المعدل الدراسي، يجعل منه برنامجا مرغوبا يحمل قيمة تنافسية كبرى بين الجيل الشاب.
إن من كان له تجربة ابتعاث دراسي مسبقا يُدرك إلى أي مدى تؤثر هذه التجربة في المبتعث، فهي تسهم في تقوية شخصيته وتعزيز المهارات الاجتماعية لديه، كما أنها تجعل من المبتعث وهو في دول أخرى غير موطنه يستشعر قيم الانتماء ومسؤولية تمثيل وطنه وإظهاره وتقديمه للآخر بطريقة إيجابية. وهذا ما سينعكس بشكل غير مباشر على نشر الثقافة السعودية المادية وغير المادية لدى الآخر، وإثراء الاقتصاد المحلي من خلال عوامل الجذب السياحي والثقافي والإنساني للمملكة.
في أحد لقاءات سمو ولي العهد محمد بن سلمان، حفظه الله، قال: «إن ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت هي شعب طموح معظمه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمان مستقبلها بعون الله». وعلى هذا فقد سخرت القيادة، حفظها الله، كل الإمكانات لهذا الشباب الطموح كل الإمكانات التي تجعله يتطور معرفيا، ويسهم في بناء مستقبل وطنه، ويبقى هو الخيار الذي تقوم عليه كافة البرامج الحكومية الطموحة والرائدة كبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث. وحري بكافة المؤسسات التعليمية والتنموية أن تعرف بهذا البرنامج للطلبة من المراحل الدراسية المبكرة، حتى تزرع الحلم كفكرة في أذهانهم، يدرك معها أنه محط عناية واهتمام وطنه، وأن السبل مسخرة أمامه، عليه فقط أن يُشرع أبوابها وينطلق نحو التميز.