بقلم مريم النويمي: النهضة الصحية في العهد الميمون
إنسان الجزيرة العربية نشأ قويًا، صبورًا، حمولًا، علمته الصحراء كيف يستطيع أن يعيش في أصعب الظروف، وإن مرض أحدهم عالجوه بعشبة، وحينما عم الإسلام أرجاء الجزيرة، تطببوا بالرقى، طالبين الشفاء والبركة، ولكن أتى التوجيه النبوي الكريم (تداووا عباد الله فإنّ الله لم يضع داءً إلا وضع معه شفاء إلا الهرم)، فنبغ الأطباء المسلمون، يستخلصون علاجاتهم من أعشابهم، وضعوا أبجديات الطب الحديث، وأتت أعوامٌ مظلمة، وعاد الناس إلى جهلهم، فمارسوا الطب البدائي مثل الكي بالنار والحجامة والوصفات الشعبية وتجبير الكسور، وأصبح العطارون يمارسون مهنة العلاج وتقديم الأعشاب كدواء، ولكن لم تُجدِ أعشاب العطار في منع الأوبئة أو علاجها فانتشرت الأوبئة وخطفت من الأرواح ما خطفت، وتعلم الإنسان كيف يتعامل معها، بالعزلة وحدها تسلم، فشيدت الخيام بعيدة عن المنازل ومرّض الناجون المصابون، فمات منهم من مات ونجي منهم من نجي، لم يكن هناك ما يضمن صحة الإنسان سوى وجود نظام صحي، وهذا ما قام به المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله للحفاظ على حياة المواطن، فالمواطن عماد الوطن، فأصدر أمرًا ملكيًا في 27/08/1344هـ قضى بإنشاء مديرية الصحة والإسعاف وكان من مهامها رعاية صحة الأفراد والاهتمام بصحة الحجاج وكذلك صحة البيئة وتولي جميع الأمور المتعلقة بالصحة.
وصدر في عهده أيضًا العديد من الأنظمة التي نظمت القطاع الصحي ومن هذه الأنظمة، نظام الطبابة والصيدلة، نظام الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية، نظام المستشفيات، ونظام الاتجار بالأدوية والعقاقير الطبية والمستحضرات والاعشاب، وغيرها من الأنظمة التي قننت الخدمات الصحية، وكانت النقلة النوعية بإنشاء وزارة الصحة عام 1370هـ.
وتوالت عصور أبناء المؤسس، وتطورت الخدمات الصحية، وأدخل نظام التطعيمات الأساسية وأصبح الحصول عليها شرطًا لاستخراج شهادات الميلاد، فقلت وفيات صغار الرضع والأطفال، وقلت الأوبئة في المجتمع، وزادت عدد المنشآت الصحية الحكومية والخاصة، وتطورت الإمكانيات، حتى أصبحت بلادنا وجهة علاجية بعدما كان المواطن السعودي يقصد البلدان المجاورة للعلاج، لقلة الإمكانيات وشح الأطباء السعوديين، اليوم ونحن نجدد بيعتنا لولاة أمرنا، نشعر بالفخر لما وصلنا له من نهضة صحية، وتطور طبي، نحن البلد الوحيد الذي يستطيع أن يوفر الخدمات الطبية في وقت واحد ومكان واحد لأكثر من اثنين مليون شخص، خدمات صحية مجانية، وعمليات عظمى، تتم في مواسم الحج، ليعود الحجيج لديارهم سالمين غانمين، كذلك أصبحت مستشفياتنا المكان الأفضل لإجراء عمليات فصل التوائم السياميين، على أيدي جراحين سعوديين ماهرين، حيث تمت منذ عام 1990 حتى يومنا هذا قرابة 59 عملية فصل لتوائم من هذا النوع، حيث يكون الإلتصاق ليس سهلًا والحفاظ على صحة التوأمين يكاد أن يكون مستحيلًا، ولكن بفضل الله وبتوفر كل هذه الإمكانيات والدعم المستمر نجحنا أن نكون الوجهة الأفضل لهذه العمليات، لا يمكن أن نتحدث عن التطور الطبي دون أن نذكر دعم ولاة أمرنا للأطباء السعوديين والاهتمام بتدريبهم في أحسن المراكز المحلية والدولية، حيث فتحت أبواب الابتعاث لكل من يرغب ذلك، فزادت ثقة المواطن بالطبيب السعودي، لبراعته، ولأنه وكما قال أستاذنا لا يحك جلدك مثل ظفرك، يظل الطبيب السعودي الأكثر قربًا وفهمًا لطبيعة مجتمعه، ولتسهيل وصول المستفيد للخدمة الصحية وتيسير تنقله بين أنواع الرعاية المختلفة، أنشأت وزارة الصحة التجمعات الصحية في مناطق المملكة كافة، حيث تسمح هذه التجمعات بتنقل الكفاءات الطبية وتوفر للمستفيد شبكة متكاملة ومترابطة من مقدمي خدمات الرعاية الصحية، ولم يكن ليتحقق هذا لولا الدعم السخي الذي توليه حكومتنا الرشيدة لهذا القطاع المهم. في عهد الملك سلمان حفظه الله بلغ إجمالي عدد المستشفيات الموجودة على امتداد الأراضي السعودية حتى بداية عام 2023م 484 مستشفى، وبلغت حصة القطاع الحكومي منها 326 مستشفى، أي بنسبة 67% من إجمالي عدد المستشفيات، بينما بلغ عدد المستشفيات الخاصة 158 مستشفى بنسبة 33% من إجمالي العدد الكلي، وإن لم يتوفر لأي مواطن سرير في أحد هذه المستشفيات الحكومية توفر له الحكومة العلاج في المستشفيات الخاصة على نفقتها، حفاظًا وحرصًا على حياة مواطنيها، نعم نحن مع حكامنا لأننا نعرف أننا تحت رايتهم سنكون بخير، حفظ الله ملك الحزم وولي عهده وأدام الله على هذه البلاد الرخاء والأمان.