بقلم فاطمة المزيني: الإنجاب اللاواعي
ما زال ملف تحديد النسل غائبًا عن الدراسات الاجتماعية والصحية في السعودية، على الرغم من أنها مسألة تزداد إلحاحًا، ونلمس بشكل مباشر الآثار السلبية لإغفالها، خاصة مع تغير طبيعة المجتمع وتغير موارده الاقتصادية ونمط معيشته ومتطلباته ومستهدفات البلاد السياسية والتنموية، مع تنامي الحاجة لتحسين نوعية الموارد البشرية سيكولوجيًا ومعرفيًا.
نحن مجتمع قادم من ثقافة «البيت الكبير»، متمثلا في القبيلة أو العائلة أو الحارة، ومن المعروف أن الكثرة في مثل هذه الهيكلة الاجتماعية مطلوبة، إذ توفر للشخص الأمان والمساندة والوجاهة.
في النظام القبلي على سبيل المثال كانت كثرة أفراد القبيلة وفرسانها، تعد من أهم عوامل الردع والهيمنة، كما أنها جزء لا يتجزأ من «ثقافة التفاخر» التي جعلت أجدادنا يجترحون المعجزات، وكان شعارنا في تلك المرحلة «الولد يجي ورزقه معاه»، لكن الحياة اليوم تغيرت ومفهوم «الرزق» اتسع وتشعب، فلم يعد منطقيًا أن نبقى كما نحن نتكرر دونما وعي، لقد طمست الحضارة احتياجاتنا القديمة وجاءتنا باحتياجات جديدة وواقع مختلف.
الإنجاب غير المدروس يقلل من قدرة الأسرة على منح الأطفال ما يحتاجونه من رعاية مادية ونفسية وتربوية، كما يؤثر في رفاهيتهم وجودة حياتهم، وينعكس هذا مباشرة على نوعية المنتج الإنساني بشكل عام، فيصبح ضعيفًا متأخرًا فكريًا وصحيًا، ومن جهة أخرى نرى أن الإنجاب العشوائي يخلق تنافسًا على موارد البلاد وخدماتها، فالأسرة ذات العدد الأكثر ستحظى بفرص من الإسكان والتعليم والضمانات أكبر مما تحصل عليه الأسر ذات العدد الأقل، مما يربك ميزان الاستهلاك المجتمعي للموارد ويؤثر في مخرجات الخطط والسياسات.
ختامًا.. الأسرة هي ركيزة بناء المجتمع والمساحة التي تتشكل فيها قيم الحياة والأخلاق والمواطنة، وأعتقد أنه حان الوقت لتقديم دراسات أسرية جادة وسن تشريعات تنظم الإنجاب بشكل تدريجي، كما إن هذه التشريعات ستكون بدورها مخلصًا من العبء الاجتماعي الذي يستحوذ على استبصار الأسرة بواقعها وإمكانياتها.
ونقدم لكم من خلال موقع هير نيوز، أخبار وتقارير، صاحبة المعالى، منوعات، فن وثقافة، كلام ستات، بنات، هير فاشون، حوادث، رياضة، صحتك، مال وأعمال، توك شو، مقالات، دنيا ودين.