بقلم مريم النويمي: كوب آمن من القهوة

الصباح الذي لا يبدأ بكوبٍ من القهوة هو صباح كسول حتى إشعار آخر، المجالس التي لا تُدار فيها فناجين القهوة تبقى صامتة إلى أن يستنشق أحدهم رائحة البن عند أول رشفة من فنجانه. للقهوة سر لا يعرفه إلا من اقترب منها، فعرفها معرفة المحبين، لم يكن للقهوة هذه السطوة لولا الكافيين، سر القهوة، الذي يجعلها تجري مجرى الدم، للطف طعمها، وسرعة مفعولها، فتنشط القلب والذهن.

لم يعرف آدم طعم القهوة، وعرفتها ذريته من بعده، نبتت حبوب القهوة في أرض الحبشة واكتشف أجداد قبيلة (الأورومو) أثرها المنشط، ودخلت بلاد العرب عن طريق اليمن، وهم أول من حمص حبوب القهوة وطحنها وتقديمها بشكل يشبه شكلها اليوم، فشربها علية القوم وسادتهم. وقيل في رواية أخرى، إن مشروب القهوة من مواليد الحجاز، لا من الحبشة ولا من اليمن، وأفتى بحرمتها بعض رجال الدين، لأنها وسيلة للهو وإضاعة الوقت. ولتغيّر سلوك شاربها، اعتبرها البعض نوعًا من المسكرات، ولكن مع الوقت تغير الموقف، وأصبحت تُشرب في مجالس العلم ورجال الدين، واليوم يستهلك حوالي ثلاثة مليارات كوب من القهوة يوميًا حول العالم.

لكن ما هو مفعول القهوة، أو الكافيين الذي هو سر مفعولها ومصدره؟

الكافيين، مادة غذائية منبهة توجد في أكثر من نوع من النباتات، من بينها الكاكاو، الشاي والقهوة. يبدأ مفعول الكافيين بعد تناوله بربع ساعة، وذروة مفعوله خلال الساعة الأولى، ويصل إلى نصف تركيزه خلال 5-6 ساعات، ويتخلص منه الجسم بعد 10 ساعات من تناوله.

يعزز الكافيين الطاقة والذاكرة والمزاج، وتقليل التعب وزيادة النشاط والانتعاش، القهوة من شأنها كذلك أن تقلل من خطورة الإصابة بالباركنسون والزهايمر لأنها منشطة للذاكرة. وله استخدامات طبية أخرى، كاستخدامه في المواليد الخدج محفزًا لمركز التنفس، فيقلل من نسبة توقف النفس. المعروف في الخدج الذين تقل أعمارهم الرحمية عن 34 أسبوعًا.

ومنذ القدم استخدم الناس مشروب القهوة كعلاج طبّي قبل شيوع شربها للمتعة، فقد استخدمه الأطباء المسلمون القدامى في الطب، كما ذكر الرازي في كتابه الحاوي، فوائد مضغها العلاجيّة كمهدّئة للأعصاب ومداوية للغضب. وفي الطب الحديث أُدمج الكافيين ببعض مسكنات الألم، وكذلك في مكملات الرياضين لزيادة الطاقة والنشاط.

ولكن ما هو الحد الآمن للكافيين في حياتنا اليومية، للحصول على فوائده دون ضرر؟

نسبة الكافيين تتعلق بنوعية القهوة وتحميصها وتركيزها وطريقة إعدادها، بالإضافة إلى طول الجسم ووزنه والحالة الصحية للشخص، فالأصحاء البالغون بإمكانهم تناول 400 ملجم من الكافيين في اليوم وهو ما يعادل أربعة أكواب من القهوة التركية بسعة 75 مل، 15 فنجانًا من القهوة السعودية بفنجان سعته 50 مل، كوبان من قهوة الإسبريسو بسعة 100 مل للكوب الواحد، وثلاثة أكواب من القهوة السوداء بكوب سعة 250 مل، أما بالنسبة للشاي فهو ما يعادل 7 أكواب بسعة 250 مل، ولكن هذه الكميات تعتبر كبيرة بالنسبة لمريض بالقلب والشرايين، حيث إن عليهم تناول نصف هذه الكمية وبالنسبة للحوامل والمرضعات فتناول 300 ملجم من الكافيين يعتبر آمنًا لهن وعلى أطفالهن.

استهلاك كمية زائدة من الكافيين يرفع خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، الذي قد يؤدي بدوره إلى الإصابة بأمراض القلب الأخرى، فشرب أكثر من ستة أكواب من القهوة يوميا، يزيد من خطر الإصابة بالأمراض القلبية بنسبة 22%، الصداع النصفي، التوتر، العصبية، الأرق، آلام المعدة، كثرة التبول وزيادة دقات القلب، كلها أعراض لزيادة نسبة الكافيين في الدم. لذلك من المهم أن نحصل على فوائد الكافيين الصحية دون الإضرار بصحتنا، أن نلتزم بكمية محددة من الكافيين من جميع مصادره، القهوة، الشاي، الشوكولاتة، المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة (والتي هي مصدر غير صحي للطاقة)، بحيث لا تتجاوز الـ 400 ملجم للأصحاء. عليك أن تفكر بتغيير كوبك لكوب أصغر ، أن تستخدم مسكنات خالية من الكافيين، وإن احتاج الأمر يمكنك أن تستعين بمشروبات خالية من الكافيين. استمتع بالقهوة وتمتع بصحتك.