رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم أحمد تركي: عُمان.. دبلوماسية الحكمة في معترك تجاذبات الإقليم

بقلم أحمد تركي
بقلم أحمد تركي

يوماً بعد يوم، تؤكد الدبلوماسية العُمانية نجاعتها وأهميتها في معترك إقليم الشرق الأوسط، في ظل تجاذبات إقليمية ودولية غير مسبوقة، ففي إنجاز دبلوماسي استثنائي يعكس دبلوماسية الحكمة العُمانية ورسوخ نهجها السلمي، أعلنت سلطنة عُمان التوصل إلى اتفاق تاريخي لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، بعد جهود مكثفة واتصالات متواصلة قادتها مسقط بحنكة واقتدار.
المتابع السياسي لمشاهد وتطورات القضايا الإقليمة والعالمية، يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن الأدوار التي تؤديها سلطنة عُمان بصفتها وسيطا في النزاعات الداخلية والإقليمية والدولية، قد تصاعدت خلال الأعوام الماضية، واتخذت بعدا علنيا مغايرا لما تم الاعتياد عليه من سلوكيات عُمانية، وليست الأدوار التي لعبتها السياسة العُمانية في الملف النووي الإيراني ببعيد.
ففي 12 أبريل 2025 ، احتضنت مسقط أول جولة للمحادثات الإيرانية الأمريكية، بعد توقف دام بضع سنوات، ليبرز اسم سلطنة عُمان مجددا كوسيط إقليمي ودولي حيوي ونزيه وموثوق به، بفضل دبلوماسيتها الهادئة التي أكسبتها ثقة كافة الفرقاء الإقليميين، إذ تستند هذه الثقة على الخبرات التاريخية لجهود الدبلوماسية العُمانية في مجال السعي للتوصل إلى حلول توافقية لنزع فتيل التصعيد وكبح السباق نحو الحلول العسكرية بشان الملف النووي الإيراني، وقبل كل ذلك تحقيق المصالح، ليس فقط العُمانية، وإنما المصالح العالمية الداعية لإحلال الاستقرار والسلام الدوليين.
والمؤكد أن الدبلوماسية العُمانية لا تألو جهداً في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار وحل النزاعات الإقليمية من خلال خبرتها التاريخية في الوساطة الدبلوماسية التي أطلق عليها الخبراء والمحللون بـ "سويسرا الشرق الأوسط"، ففي الوقت الذي تواصل فيها مساعيها لعقد الجولة الرابعة من لمحادثات الأمريكية الإيرانية في مسقط، خلال الأيام المقبلة، تنجح في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين أمريكا وجماعة الحوثيين.
فقد أعلنت وزارة الخارجية العُمانية في بيان رسمي أن المناقشات والاتصالات التي أجرتها السلطنة مع الطرفين  الأمريكي واليمني، أسفرت عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين، في خطوة محورية نحو ضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وحماية حركة الشحن التجاري الدولي.
وأعربت السلطنة عن شكرها لكلا الطرفين على نهجهما البنّاء، مؤكدة أن هذه الخطوة الإيجابية تفتح الباب أمام مزيد من التقدم في المسائل الإقليمية، نحو تحقيق العدالة والسلام والازدهار للجميع. ومن جانبه، وصف البيت الأبيض الاتفاق بـ"الانتصار الكبير"، مشيدًا بالدور العُماني في دعم حرية الملاحة، فيما شدد الرئيس دونالد ترامب على أن الحوثيين أبدوا رغبة حقيقية في وقف القتال، وأن الولايات المتحدة “ستحترم ذلك وتوقف القصف فورًا”. 
المؤكد أن هذا الاتفاق جاء تتويجًا لتحركات عُمانية دؤوبة، عكست مجددًا الدور المحوري الذي تضطلع به السلطنة كجسر للحوار وصوت للعقلانية في منطقة تموج بالتوترات، وقدمت سلطنة عُمان، بقيادة السلطان هيثم بن طارق نموذجًا فريدًا للدبلوماسية الهادئة التي تنشد السلام وتبني التوافقات بعيدًا عن صخب التصعيد وسياسات المحاور.
والمؤكد أيضاً، أن هذا الاتفاق يأتي في إطار بناء مناخ إيجابي يمهّد لمحادثات أمريكية – إيرانية مرتقبة، حيث أكدت واشنطن أن الاتفاق مع الحوثيين كان خطوة استباقية لتعزيز فرص الحوار مع طهران.
ويمكن القول، فإنه بهذا النجاح الدبلوماسي، ترسخ سلطنة عُمان موقعها كصوت الحكمة الإقليمي، وكمحور توازن وسلام في المشهد الجيوسياسي العالمي، في ظل رؤية حكمة واقتدار القيادة  السياسية، الذي باتت بصماته واضحة في إعادة صياغة دور عُمان كمرجع موثوق في حل النزاعات وبناء السلام المستدام في كل المواقف العُمانية حيث تؤمن بأنّ السلام الشامل مع دول الجوار يخدمها ومصالح جيرانها، حيث يُعد نهج مسقط القائم على الحفاظ على الروابط الدبلوماسية الودية مع القوى المتخاصمة ودعم المفاوضات كالآلية المفضلة لحل النزاعات، الأسلوب الأكثر فعالية.
فقد أثبتت الأزمات الإقليمية والعالمية، أن سلطنة عُمان ظلت وسيطا قادرا على الحوار مع جميع الأطراف، لا يبني تحالفات مع طرف ضد مصلحة طرف آخر أو على حسابه. ولم تندفع يوماً السياسة العمانية في اتجاه طرف على حساب الطرف الآخر،  بل عملت على اغتنام علاقاتها وتعزيزها مع كل أطراف النزاع.
وباتت الجهود الدبلوماسية العُمانية محل تقدير وإشادة وترحيب من كافة الدول العربية والإقليمية والدولية، فبعد إعلان نجاح وساطة سلطنة عُمان في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة الأمريكية والسلطات المعنية في صنعاء، توالت بيانات الترحيب من عدد من الدول  العربية والخليجية مشيدة بالدور العُماني البنّاء في تخفيف حدة التصعيد وتعزيز الأمن الإقليمي، ودعت إلى مواصلة الحوار كسبيل لحل النزاعات.
فقد رحّبت مصر بجهود سلطنة عُمان التي أفضت إلى التوصل لاتفاقٍ لوقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة الأمريكية. وأعربت عن أملها بأن ينعكس هذا الاتفاق إيجابيًّا على حرية الملاحة في البحر الأحمر، متطلعة لأن تشهد الفترة المقبلة التزاماً بهذا الاتفاق، بما يعطي دفعة بنّاءة لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة ولجهود إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة.
بدوره، أشاد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، بجهود سلطنة عُمان في الوساطة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين، وأكد أن هذا الدور يعكس التزام السلطنة بدعم أمن واستقرار المنطقة، ودعا إلى خفض التصعيد وضمان احترام حرية الملاحة البحرية وفق القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م.
ورحبت دول مجلس التعاون الخليجي بنجاح الوساطة العُمانية، وعبرت عن تقديرها للدور البناء لسلطنة عمان، الذي أسهم في التوصل إلى الاتفاق، وأعربت عن تطلعها إلى أن تسهم هذه الخطوة في ضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي. وأكدت دعمها الثابت للحلول الدبلوماسية والحوار كوسيلةٍ لحل النزاعات على المستويين الإقليمي والدولي، مشيدةً بالدور الإيجابي لسلطنة عُمان ومساعيها الحميدة في تعزيز السلم والأمن.
ومن جهتها، ثمنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية الجهود الدبلوماسية المتميزة ومساعي الوساطة الحميدة لسلطنة عمان والتى أدت إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى اليمن، جنبا إلى جنب مع الجهود الأمريكية. ورحبت الأمم المتحدة بالاتفاق، وجددت الدعوة إلى ضبط النفس وخفض التصعيد في اليمن ومحيطه ووقف الهجمات التي تستهدف حركة الملاحة البحرية.
وفي السياق ذاته، رحب كل من العراق والأردن، بالجهود الدبلوماسية المتميزة التي بذلتها سلطنة عمان في الوساطة بين أمريكا وجماعة الحوثي، وأكدت أن تلك الجهود تأتي في إطار دعم الحوار البناء والحلول السلمية للأزمات الإقليمية. وشددت على أهمية تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لتعزيز الأمن والاستقرار، وتجنيب المنطقة مزيدًا من التوترات.
وبحسب محللين سياسيين، فإن التقدير العربي والدولي للجهود الدبلوماسية العُمانية، في ملف العلاقة بين أمريكا والحوثيين، إنما جاء على خلفية مشهد إقليمي سياسي صعب ومعقد، اتسمت سلوكيات القوى الدولية فيه بالقوة والعنف سبيلاً،  وفي الوقت الذي تحاول فيه فرض ترتيبات أمنية من أعلى، جاءت التحركات العُمانية لتؤكد أن أسلوب التفاوض المبني على قاعدة التفاهمات المشتركة، هو الوسيلة الأكثر نجاعة في حل المشكلات.
وما نود التأكيد عليه هو أن المبادرة العُمانية لم تأتِ من موقع استعلاء إقليمي، بل من موقع ثقة تاريخية اكتسبتها عُمان في علاقاتها الهادئة مع كل الأطراف، من واشنطن إلى طهران، ومن أنصار الله إلى المجلس الرئاسي الذي يمثل الشرعية في اليمن.
ووفقاً لخبراء التحليل السياسي، تتجاوز الأهمية الجيوسياسية لوساطة سلطنة عُمان توقيتها وتزامنها مع وساطة أخرى أكثر أهمية بين أمريكا وإيران؛ فهي أولًا تعيد الاعتبار للدور الخليجي الذي بدا مؤخرا أنه لا يريد التمحور حول التصعيد العسكري، وثانيًا، تثبت أن مناطق النفوذ في الشرق الأوسط لا يُعاد ترسيمها بالصواريخ، بل بالحوار البعيد عن الأضواء. وثالثا، ترسل إشارة مبطنة للغرب: أن أدوات «الردع عن بعد» لم تعد قادرة وحدها على ضمان أمن الممرات أو تهدئة الصراعات. ورابعا، تثبت للولايات المتحدة وبشكل خاص لليمين المتشدد أن علاقة سلطنة عُمان بأنصار الله يمكن أن يكون لها فائدة استراتيجية لهم في لحظات الحقيقة.
إجمالاً.. يمكن القول، أن الاتفاق بين واشنطن والحوثيين، ليس نهاية للصراع، بل يمثل قاعدة انطلاق ثابتة نحو ترسيخ فكرة أهمية الحلول السياسية من خلال طاولة المفاوضات،  ويؤكد أن بداية الغيث قطرة وأن السير في الطريق إلى الاستقرار والسلام، يحتاج لصوت العقل والحكمة أكثر من احتياجه لصوت المدافع ولهيب النيران.
 

تم نسخ الرابط