بقلم مريم النويمي: طفل مجهول الأبوين
الأربعاء 19/يوليه/2023 - 03:32 م
المجتمعات الإسلامية المحافظة، عادة تقل فيها نسبة الأطفال مجهولي الأبوين، الذين توفر لهم الدولة سبل العيش الكريم، وفتحت الجمعيات الخاصة بهذه الفئة من الأطفال أبوابها أمام الراغبين في الاحتضان، عن طريق الإرضاع واستخراج صك رضاعة، ليصبح طفلهم الذي لم ينجبوه، فاللبن يقوم مقام اللحم والدم، فهو يحمل خلايا جذعية، وصفات وراثية تنتقل من المرضعة للرضيع، فيشبهها بالطبع، فالطباع من الرضاع. ولكن ليس كل مجهولي الأبوين تسعفهم ظروفهم ليعيشوا في أسرة حقيقية، ليسوا محظوظين بما يكفي ليكونوا أصحاء مثل أقرانهم، لأنهم ولدوا في ظروف غير جيدة، فالمرأة التي تحمل خارج إطار الزواج، تخاف بمجرد أن تبدو عليها علامات الحمل، ومن الممكن أن تهرب من ذويها. فإما أن تحاول إجهاض نفسها فتموت في إحدى محاولاتها، أو أنها تكمل وتلد في أماكن قذرة كدورات المياه وتقطع حبله السري بأداة مجرثمة، وتتركه هناك يعاني، فيصاب بالجفاف ونقص في السكر، وتتأثر قدراته العقلية بعد ذلك، إن لم يدركه أحد في الوقت المناسب، أو يصاب بالكزاز نتيجة استخدام أدوات غير معقمة لقص حبله السري، وهناك من تختار تركه على الطريق، يلتقطه بعض السيارة، ولكن الأبشع أن يُقذف به في صندوق نفايات، فيكون طعامًا للقطط. هل سمعتم بالمولود الذي أكلت القطط أصابعه؟ فأراد الله له الحياة، ليعيش بأصابع مبتورة، تذكره بقسوة أمه، وبشاعة فعلها. إحداهن اختارت بيت زوجين كبيرين في العمر، ووضعت مولودتها أمامه فجرًا، اعتبراها هدية سقطت عليهما من السماء. احتضناها، لم يدركا أن الأمر ليس بهذه البساطة، كان عليهما التوجه للمستشفى، لفحصها، والإبلاغ عن الحدث وبعد ذلك يمكنهما طلب الحضانة، وإذا كانا مؤهلين يحصلان عليها، وهذا ما حدث. هذه الطفلة محظوظة، لأن السيدة التي أنجبتها، اختارت لها أبوين يستحقان لقب أم وأب.
السيدات اللاتي يُنجبن أطفالهن في المستشفيات رغم أن حملهن غير شرعي، أفضل حالاً بكثير، لأنهن يلدن تحت إشراف طبي، وغالبًا يتنازلن عن مواليدهن في المنشأة الصحية ليعيشوا في دور الحضانة، تحت رعاية وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
الأكثر سوءًا أن تكون من حملت بطفل غير شرعي، مدمنة على المخدرات، لتورثه الوحدة والمرض، وإن ولدته في الشارع فحتمًا سيموت.
إذا كان لا بد للطفل غير الشرعي أن يأتي للدنيا بلا أبوين، فليكن طفلًا سليمًا، ليحظى بأسرة محتضنة، ليكبر بسلام. هنّ أخطأنّ صحيح، ولكن يجب ألا يُعالج الخطأ بخطأ أكبر.
الأسرة هي ملجأ الفتاة الأول، الهروب من المنزل ليس حلاً، الفتيات اللاتي ولدن في المستشفيات أحضرهن ذووهن، وبعد ذلك أخرجوهن بلا مواليدهن، كمعروفي الأم، مجهولي الأب. رغم وقع الحدث، إلا أنهم قدموا حياة ابنتهم على (كلام الناس)، فبعض هؤلاء الفتيات كن ضحية اغتصاب، حملن بعده.
إحداهن تمسكت بمولودها، ليرعاه أهلها معها. الأهل يعرفون أنه لا يد لها في ذلك.
كل الذين تُركوا تولتهم الحكومة بالرعاية، كبروا في كنفها، وأتيحت للأصحاء منهم أسر محتضنة، لينعموا بنطق (ماما وبابا) كغيرهم من الأطفال.