الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بقلم فاطمة المزيني: الرأسمالية والواقع الاجتماعي

الإثنين 17/يوليه/2023 - 07:45 م
هير نيوز

هل سمعت مؤخرا عن أسرة ترفض عمل ابنتها في وظيفة ذات دخل ممتاز بحجة أن مكان العمل (مختلط)؟

هل سمعت عن شاب يرفض عملا مناسبا لمؤهلاته لأنه في منطقة بعيدة عن سكن أسرته؟

هل سمعت عن فتيات تحت سن العشرين يخرجن من التعليم إراديا بحجة الزواج؟

هل سمعت عن تكاليف زواج تجاوزت حد 200 ألف ريال؟

وهل سمعت عن شاب يُعين في إحدى المدن الكبرى ثم لا يجد سكنا مناسبا لأنه (أعزب) وربما يضطر للتحايل حتى يجد مسكنا ولو بسعر غير عادل !

وهل تعرف شخصا يأخذ قرضا بنكيا ليسافر في الصيف أو ليجدد سيارته أو أثاث منزله؟

وهل تعرف أشخاصا يعيشون حرفيا على البطاقات الائتمانية ويذهب جزء من دخلهم الشهري للسداد؟

حسنا.. لا بد وحتما أنك تعرف كثيرين ممن ليس لديهم أي استثمارات أو أصول أو حتى مدخرات رغم أن رواتبهم مجزية. وشعارهم في الحياة «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب».

هذه السلوكيات والتجارب هي في الواقع دليل كبير على تراجع الوعي الاقتصادي لدى عدد كبير من فئات المجتمع، والإغراق في أفكار معلبة منتهية الصلاحية.

لقد شهدت السنوات الأخيرة تسارعا في وتيرة التحول الاقتصادي العالمي باتجاه النظام الرأسمالي، وغيرت الدول ذات النظام المختلط مزيدا من سياساتها الاقتصادية نحو تحرير الأسواق والخصخصة واتساع قطاعات الأعمال وبات الدفع باتجاه التنمية الاقتصادية هو المشروع الأكثر حضورا في معظم الخطط والأجندات السياسية للدول.

ومن الطبيعي أن تنعكس هذه التحولات بشكل مباشر أو غير مباشر على حياة الناس وتؤثر على معيشتهم. وفي وضع كهذا لا يجدي نفعا أن يستمر نمط الإنفاق القديم الذي نشأ في مرحلة اقتصادية مختلفة تماما.

الرأسمالية تعزز قيم الفردانية هذا واقع ملموس، ويعني هذا أن يكون كل فرد منتجا مستقلا وأن يتحمل كل شخص مسؤولياته ويعتمد على نفسه بعيدا عن التقاليد الاجتماعية التي كانت ولفترة طويلة هي المحرك الأساس لسلوكنا المالي.

فلم يعد ملائما اليوم التمسك بالمهر المرتفع والتكاليف الباهظة للزواج وقد رأينا الآثار المدمرة لهذا السلوك على المستوى المعيشي للأسرة الناشئة، كما أن ضياع سنوات في السداد يفوت على الأسرة فرص النمو المالي.

لم يعد منطقيا المطالبة بأماكن عمل منفصلة للسيدات فهذا مكلف جدا للمؤسسات وعلينا بدلا من ذلك أن نعزز الثقة في القانون وفي أنفسنا.

لم يعد طبيعيا أن تكون موظفا براتب شهري ولا تنوع استثماراتك أو تقتطع جزءا من دخلك للادخار.

ولم يعد مقبولا أن يوجد في الأسرة أكثر من فرد قادر على العمل حاصل على التأهيل ويركن للبطالة بذريعة أن دخل الأب يكفي ويوفي.

المشكلة هنا أن الممارسات المالية التي تتسم بالهدر ورغم تأثيرها السيئ في المجتمع، وتهديدها لاستقرار الطبقة الوسطى، إلا أنه لا يمكن ضبطها قانونيا فهي نوع من الحريات الشخصية التي يحميها النظام، فلا يتبقى لنا إذاً سوى تبني مشروع تثقيفي حقيقي وجاد يبسط مفاهيم الاقتصاد للناس ويعزز قيمة الإنتاج والعمل، ويدعم الاستقلالية المالية للأفراد ويوجههم نحو الفرص الاستثمارية الملائمة.

ختاما.. الاقتصاد ليس حديث النخب ورجال الأعمال بل هو خبز الناس وملحهم، واليوم يعتقد خبراء الاقتصاد في العالم أن السعودية هي أرض الأحلام الجديدة، وهذا أمر لا يمكننا التماهي معه بشكل جيد دون تحديث أفكارنا حول المال والثروة ودور المعرفة الدقيقة بالحراك الاقتصادي الذي نتشكل في ضروراته شئنا أم أبينا.

نقلا عن الوطن السعودية


ads