الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

امرأة بالخمسين

الإثنين 20/فبراير/2023 - 06:30 م
هير نيوز

جلست أمام طبيب الأمراض النفسية الذي تطرق أبوابه للمرة الاولى بعد أن بدأت بعمر الخمسين وقبل ان يبدا الطبيب بطرح تساؤلاته كي يتعرف قليلا عما تعانيه.

أخبرته بأنها لم تقصده لمرض نفسي أو بوادر قلق يحول بينها وبين ذاتها لكنها كل ما تريده أن تبوح لإنسان لا يعرفها ولم يلتقها من قبل ولا يحفظ اسمها ولا ملامحها ولا يشاركها تفاصيل أيامها بعد أن اصبحت امرأة دخلت عامها الخمسين، إنسان لا تحتاج منه سوى أن يتفهم بوحها ومخاوفها وهي التي فقدت قدرتها على البوح لمن حولها لادراكها بانهم نقطة في بحرها الذي لم تعد تعلم الى اين سيأخذها..

وتبوح..

ليست سنوات العمر التي تقلقني فقد تصالحت منذ زمن مع فكرة العمر والحياة وانا ادرك جيدا ان العمر بما تحياه وبكيف نعيشه لا تعيني الاعوام فهي مجرد أرقام تمر بنا نكاد لا نتذكرها ولكننا نتذكر الايام التي عشناها بها، نتذكر لحظات السعادة والألم ونحيا ونحن نخزن بذاكرتنا كل ما بها وجوه من نحب... لهفة الحب.. تلك الاماكن التي عشنا بها تفاصيل طفولتنا.. ألم فراق من أحببنا.. أحلامنا.. هي تلك التي تبقى لنا وتتجدد معنا عاما بعد عام وان كبرنا..

وأنا بعمر الخمسين محملة بتجارب الحياة وخيباتها وآلامها وسعادتها وكل ما مر بي لا اشعر بالغربة عن ذاتي بقدر غربتي عن الاخرين الذين يتعاملون مع الانسان تبعا لتاريخ ميلاده فيحددون له اسلوب حياته وشكله ويبدأون بمصادرة أحلامه ورغباته التي تبدو له هي الامل..

غربتي عن الاخرين لا تحددها فرق السنوات بقدر ما هي حاجتي الحقيقية الى أن اتذكر جيدا بأني ما زلت على قيد الحياة وبأني أملك مساحة خاصة يجب ان تكون لي بعد تعب الاعوام التي مضت أحياها كما أريد دون ان أسمع اصواتهم «امرأة في الخمسين من عمرها» ودون ان تلاحقني نظراتهم التي تعكس استغرابهم ان اردت ان احيا كما اريد وان اجدد طفولة رافقتني منذ زمن بقلبي كي اتمكن من استيعاب الحياة دون ان افقد أملا ما او ان اتوقف عن أحلام وان باتت مؤجلة وقد لا تتحقق..

عندما تبدأ المرأة بعمر الخمسين تحيا بمواجهة شرسة بين واقعها وبين ذاتها تعلم جيدا بأنها لم تبخل يوما على من أحبت بعطائها وتفهمها فتكون تارة الام وتارة آخرى الصديق والحبيبة والزوجة والاخت لانها تتقن ان تكون كل هذه الادوار مجتمعه تؤديها بكل مراحلها بجدارة ليأتي اليوم الذي تشعر به انها باتت تحتاج فقط لمن يفتح لها ابواب القلب والعقل ويمنحها الفرصة لان تبوح وان تحيا دون ان يحكمها رقم السنوات فتجد بقلوبهم مرفأ أمان..

نحن نخجل ان نعلن تعبنا لأن من نحبهم اعتادوا على ان نكون دوما أقوياء نقف معهم وخلفهم فنخفي آلامنا ونسرق من الايام لحظات نحياها بيننا وبين أنفسنا كي لا نتذكر اننا بدانا بعمر الخمسين..

لا أعلم يا طبيبي إلى الآن لماذا نحن فقط من يحكمنا العمر.. فيصبح التعبير عن الحب والمشاعر محرما.. ويصبح المشي تحت المطر لا يتلاءم مع أعمارنا.. واطلاق اصوات ضحكاتنا برفقه من نحب شيء نخجل منه لاننا بالخمسين من أعمارنا؟

غربتي ليست بسنوات العمر.. غربتي بأنني اتمنى البوح بما في اعماقي دون خوف.. وان احيا لحظات ايامي دون ان احتاج دوما لاثبات بأن ما زال بالقلب حنين لطفولة مضت.. ولرغبه ما بتجاوز كل ألم كي اتمكن من الثبات باتزان وسط سنوات وايام بكل ما فيها كفيلة بأن توصلنا يوميا لحافة الانهيار.. لكي احيا دون خوف من سنوات العمر التي لا اراها سوى ارقام تتغير عاما تلو الاخر..

ما زال بقلبي الكثير للبوح يا طبيبي لكني كسحابة تمر تمطر ولا تمتلك الجرأة على أن تسير تحت المطر..

نقلا عن الرأي

الكلمات المفتاحية
ads