هل يجوز للمصريين الموجودين خارج مصر إرسال زكاة الفطر إلى ذويهم وأبناء وطنهم الذين هم أحوج ما يكونون لهذه الأموال؟
ويجيب عن ذلك السؤال، فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، والذي قال: إنه لا مانع شرعًا من إرسالِ المصريين المقيمين خارج مصر زكاة مالهم وفطرهم إلى أهلهم وذويهم في مصر، بل هو الأفضل والأولى في هذه المرحلة التي تحتاج البلاد فيها حاجة أكيدة إلى الإنفاق على مصارف الزكاة فيها، وكفاية المحتاجين وسد حاجة المحتاجين؛ فمصر وأهلها أولَى بمساعدة مواطنيها وأبنائها.
جاء القرآن الكريم بتحديد مصارفِ الزكاة على العموم من غير أن يُحدِّدَ لها مكانًا أو زمانًا؛ فقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، وجاءت السُّنَّةُ المطهَّرة بتحديد الأموال التي تجبُ فيها الزكاةُ وأحكامها الجزئية على الوجه الذي تتحقَّق به مقاصدُها الدينية والقِيمِيَّة والتكافلية والاجتماعية والتنموية.
والأصلُ في أموال الزكاة أن تخرجَ ابتداءً مِن أغنياء كلِّ قومٍ لفقرائهم؛ حتى يتحقَّقَ المقصدُ التكافلي، ويحصلَ الاكتفاء الذاتي، وتظهرَ العدالة المجتمعية، وتَقِلَّ الفوارقُ الطبقية، وتُحَلَّ المشكلاتُ الاقتصادية، وتزدادَ وفرة وسائل الإنتاج وتَضعُفَ نسبة البطالة، فترتقِي بذلك أحوال الأمم والشعوب، وتتوطّد أسباب الحضارة. وهذا هو الأصل الذي كان يجري عليه غالبُ العمل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه؛ فأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» متفق عليه.
اقرأ أيضًا..
زكاة الفطر
وهذا الأصل يجري أيضًا في زكاة الفطر؛ فقد فرضتها الشريعة أصالةً لإغناء فقراء كل بلد عن الحاجةِ في العيد؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» أخرجه ابن وهب في "جامعه"، وابن زنجويه في "الأموال"، والدارقطني في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
غير أنَّ الفقهاء متفقون على مشروعية نقلها -بل ووجوبه -إذا زادت عن حاجة البلد، وأكثرهم على إجزائها إذا أُعطِيَت لمستحقيها ولو بغير بلدها، وحُكِيَ فيه الاتفاق والإجماع.
ومع ثبوت هذا الأصل إلّا أنَّ الشريعة راعت في الزكاة مصالحَ أخرى راجحة؛ كاشتداد الحاجة، وإغاثة المنكوبين، وأولوية قرابة المزكي وعصبته، وانتمائه لوطنه؛ تحقيقًا لمعنى التكافل الاجتماعي والترابط القومي، ونقلها من بلاد غير المسلمين إلى بلاد الإسلام، وراعت أيضًا ازدياد أهمية جهة معينة من مصارف الزكاة على غيرها؛ تحقيقًا لمقاصدها الشرعية ومصالحها المرعية على الوجه الأتم.
مشروعية نقل الزكاة من ديار غير المسلمين
ونصَّ الحنفية على مشروعية نقل الزكاة من ديار غير المسلمين إلى ديار المسلمين؛ قال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (2/ 353-354، ط. دار الفكر): [(و) كُرِهَ (نقلُها إلَّا إلى قرابة)، بل في "الظهيرية": لا تُقبَل صدقةُ الرجل وقرابتُه محاويجُ حتى يبدأ بهم فيسدّ حاجتهم (أو أحوج) أو أصلح أو أورع أو أنفع للمسلمين (أو من دار الحرب إلى دار الإسلام أو إلى طالب علم). وفي "المعراج": التصدق على العالم الفقير أفضل] اهـ.
وفي إرسال المصريين بالخارج زكاتهم لبلدهم مساهمة فعَّالة في تنمية الوطن وتقويته وإنعاش اقتصاده، ولا يخفى ما يؤدي إليه تدفقُ أموال الزكاة من أثر كبير على اقتصاد الدول وتنمية المجتمعات، فإذا انضاف إلى ذلك النظرُ إلى مرحلة البناء والتنمية التي تمر بها مصر، ووقوفها الصامد لصدّ الهجمات والمؤامرات التي تُحاك بها، وأن أهلها في رباط إلى يوم القيامة كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان ذلك أدعى إلى أولوية إعطاء مغتربيهم زكواتِهم في مصارف الزكاة في مصر، ومساهمتهم في سدّ احتياجات أهلها، والإنفاق على مصارف الزكاة فيها هو مِن مظاهر حب الأوطان، وحبُّ الوطن من الإيمان، وهو معنى شرعي مقاصدي معتدٌّ به شرعًا.
اقرأ أيضًا..
المستقر في دار الإفتاء المصرية
والمستقَرُّ عليه في دار الإفتاء المصرية الإفتاءُ بجواز نقل الزكاة إلى مصارفها الشرعية في غير بلدها عند الحاجة وللمصلحة؛ كما صدرت بذلك الفتوى في عهد سماحة الشيخ العلامة حسنين محمد مخلوف: برقم 579، وتاريخ: 17/ 8/ 1946م، وفي عهد سماحة العلامة الشيخ أحمد هريدي: برقم 476، وتاريخ: 14/ 5/ 1963م، وكذلك الفتوى رقم 249، بتاريخ: 21/ 7/ 1986م، وفي عهد سماحة الأستاذ الدكتور علي جمعة: برقم 1310، وتاريخ: 31/ 10/ 2005م.
كما أنَّ المعتمد في الفتوى أيضًا -كما عليه جماعة من سلف الأمة وخلفها- جوازُ إخراج زكاة الفطر مالًا، وهو مذهب السادة الحنفية، ويجوز إخراجها من أول رمضان كما هو مذهب الشافعية وقول مصحّح للحنفية.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: ولأنّ العالم قد تغيّر في علاقاته وواقعه وشخصياته، وعملًا بالمقاصدِ الشرعيةِ والمصالحِ المرعيَّة، فإنَّا نرى جوازَ إرسالِ المصريين المقيمين خارج مصر بزكاة مالهم وفطرهم إليها، بل ونرى أفضلية ذلك وأولويته في هذه المرحلة التي تحتاج البلاد فيها حاجة أكيدة إلى الإنفاق على مصارف الزكاة فيها، وكفاية المحتاجين وسد حاجة المُعوِزين؛ فمصر وأهلها أولَى بمساعدة مواطنيها وأبنائها.