بقلم أصيل الجعيد: الرقابة على مربي المواشي

بقلم أصيل الجعيد: الرقابة على مربي المواشي.. تربية المواشي ركيزة أساسية في الأمن الغذائي والاقتصاد الزراعي لأي دولة، وهي في الوقت ذاته ميدان حساس، يتطلب قدرًا عاليًا من الرقابة والتنظيم، نظرًا لتداخلها المباشر مع صحة الإنسان وسلامة البيئة، ومع تطور أساليب الإنتاج واتساع رقعة الطلب، بدأت تظهر ممارسات غير مشروعة بين بعض مربيي المواشي، أبرزها استخدام الكيمياويات والهرمونات الصناعية بهدف تسريع النمو وزيادة الوزن بصورة غير طبيعية، بما يخالف المعايير الصحية والشرعية على حد سواء.
بقلم أصيل الجعيد: الرقابة على مربي المواشي.. هنا تبرز أهمية الرقابة المؤسسية على قطاع تربية المواشي، لا باعتباره إجراءً عقابيًا، بل كضرورة وطنية تحمي صحة المجتمع، وتحفظ الثقة في المنتجات الحيوانية المحلية، فالمواد الكيميائية التي تُحقن بها بعض المواشي سواء كانت منشطات نمو، أو مضادات حيوية تستخدم بشكل عشوائي، أو مركبات هرمونية محظورة قد تخلّف آثارًا تراكمية خطيرة على صحة المستهلكين، وتُضعف المناعة، بل قد تتسبب في أمراض مزمنة يصعب تتبع أسبابها الظاهرة.
بقلم أصيل الجعيد: الرقابة على مربي المواشي.. ولعل التجربة الأوروبية تمثل نموذجًا رائدًا في هذا المجال، إذ أنشأ الاتحاد الأوروبي منظومة صارمة تُعرف بـ«نظام تتبع المنتجات الحيوانية»، والذي يفرض على كل مربي تسجيل بيانات الحيوان منذ ولادته، بما في ذلك ما يتناوله من أعلاف، وأي علاج يتلقاه، والجهات البيطرية التي تشرف عليه. كما يُمنع استخدام أي مادة غير مصرح بها، وتُفرض غرامات باهظة تصل إلى سحب التراخيص في حال ثبتت المخالفة. أما في كندا، فقد تم تطوير آلية تسمى «الرقابة من المزرعة إلى المائدة»، حيث تُراقب سلسلة الإنتاج بالكامل من نقطة التربية وحتى وصول المنتج إلى المستهلك، عبر مختبرات حكومية وتحاليل دورية عشوائية.
بقلم أصيل الجعيد: الرقابة على مربي المواشي.. في السعودية، ومع اتساع حركة تربية المواشي في مناطق مختلفة، من الضروري أن تتكامل الجهود بين الجهات البيطرية، والهيئة العامة للغذاء والدواء، ووزارة البيئة والمياه والزراعة، لسن تشريعات واضحة تنظم استخدام المواد الكيميائية، وتفرض التسجيل الإجباري لجميع المواشي في منصة إلكترونية موحدة، وتلزم الموردين بترقيم المواشي وتتبع سجلها الصحي والتغذوي.
بقلم أصيل الجعيد: الرقابة على مربي المواشي.. إن خطورة الأمر لا تكمن فقط في التضرر المباشر للمستهلك، بل أيضًا في تراجع ثقة السوق المحلي والدولي في المنتجات الوطنية، ما يؤدي إلى أثار اقتصادية سلبية قد تمتد لسنوات، لذلك فإن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في الرقابة، بل في نشر الوعي بين المربين أنفسهم بأن الغش في هذا القطاع ليس ذكاءً تجاريًا، بل خيانة وطنية، وأن الممارسات الصحية المستدامة هي ما تصنع سمعة السوق وتجذب الدعم الحكومي والطلب العالمي.
وفي النهاية، بناء منظومة رقابية فعّالة لا يقوم فقط على القوانين، بل على ثقافة احترام صحة المستهلك، وتقدير الأمانة المهنية، والاعتراف بأن الثروة الحيوانية لا تقدر فقط بعدد رؤوسها، بل بسلامتها وجودتها وأثرها الإيجابي في صحة الإنسان.