الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

فتاوى رمضان| «الإفتاء»: قطرة الأذن مفطرة وتفسد الصيام في هذه الحالة

الأحد 24/أبريل/2022 - 01:02 م
هير نيوز

هل القطرة في الأذن تفطر الصائم أم لا؟ خاصة وإذا كان مريضًا، ويحتاج إلى استعمالها نهارًا، وما حكم قطرة الأذن إذا ظهر أثرها في الحلق وأحس الصائم بطعمها؟ ذلك ما تجيب عنه دار الإفتاء المصرية، من خلال فتوى الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية. 





 


حكم استعمال قطرة الأذن في الصيام 



ويقول الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية: إن استعمال قطرة الأُذُن أثناء الصوم من المسائل المختلف فيها، والمختار للفتوى أنها لا تفطر ما دامت طبلةُ الأذن سليمةً تمنع وصول مكوناتها إلى الحلق مباشرةً، والصوم حينئذٍ صحيحٌ؛ سواء ظَهَرَ أثرُ النقط في الحلق أو لم يَظْهَر، فإن قرر الطبيب أن فيها ثقبًا بحيث يَسمَحُ بوصول تلك المكونات إلى الحلق مباشرةً فإنها حينئذٍ تُفطر. 


 

 "نقط الأذن" هي نوعٌ من الدواء يُقطَّر في صيوان الأذن من أجل علاج الالتهابات والآلام التي تصيب الجزء الخارجي من الأذن المشتمل على صِماخ الأذن وصيوانها والقناة السمعية المنتهية بغشاءٍ حيويٍّ رقيقٍ يُسمَّى "طبلة الأذن"، وهي التي تحمي الأذن الوسطى والجزء الداخلي للأذن من تعرضهما لدخول الأذى والضرر من الخارج إليهما خاصةً الأتربة والجراثيم والماء. 





اقرأ أيضًا..

فتاوى رمضان| «الإفتاء»: هذه محذورات الصيام فاجتنبوها




 


حقيقة الصوم 


 
وحقيقة الصوم أنه: إمساك الصائم عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس مع النية، ولا يتحقَّق الإمساك المذكور بدخول شيءٍ ذِي جِرمٍ إلى المنافذ المفتوحة إلى الجوف، وإلَّا كان ركن الصيام منعدمًا، وأداء العبادة بدون ركنها لا يُتصوَّر؛ لما رواه البخاري موقوفًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ»، ووصله ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن ابن عباس رضي الله عنهما في الحجامة للصائم قال: «الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ». 

 
واختلف الفقهاء في صحَّة صوم مَن صَبَّ في أذنه شيئًا أثناء الصوم؛ طبقًا لاختلافهم فيما إذا كانت الأذن منفذًا مفتوحًا موصلًا إلى الدماغ أو الحلق أو لا؛ والاختلاف في التصوير والتكييف ينبني عليه اختلافٌ في حكم المسألة؛ فمن اعتبرها منفذًا مفتوحًا موصلًا إلى الدماغ أو الحلق قال بفساد الصوم بالتقطير فيها إذا وصل شيءٌ من ذلك إلى الدماغ أو الحلق، ومن لم يعتبرها كذلك قال بعدم فساد الصوم بالتقطير فيها؛ سواء وجد أثر ذلك في الحلق أو لا. 

 
فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة، والمالكية، والشافعية في الأصح، والحنابلة، إلى أن استعمال النُّقَطِ ووضعها في أُذُن الصائم مُفسِدٌ لصومه إذا وَصَلَ شيءٌ إلى الدماغ أو إلى الحلق على تفصيلٍ بينهم في ذلك، فإذا لَم يُجَاوِز شيءٌ من ذلك إلى الحلق فلا يفسد الصيامَ. 

 
ويستدل له بما أخرجه ابن وهبٍ في "جامعه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يكره الكحل للصائم، وكره السعوط أو شيئًا يصبه في أذنيه. 

 
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 93، ط. دار الكتب العلمية): [وما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ عن المخارق الأصلية؛ كالأنف والأذن والدبر؛ بأن استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ فسد صومه] اهـ. 





اقرأ أيضًا..

فتاوى رمضان| «الإفتاء» تحسم الجدل حول حكم حقن الأنسولين في الصيام



 
 

علماء التشريح والطب 

 
ويؤيد هذا القولَ ما أثبته علماء التشريح والطب مِن عدم وجود منفذٍ مفتوحٍ مباشرٍ يُمكن للمائع المقطَّر عند صبه في الأذن النفاذَ إلى الجوف أو الدماغ؛ حيث يوجد غشاءٌ حيويٌّ مخروطيُّ المستوى يسمى "الغشاء الطبلي" أو "طبلة الأذن" يفصل بين الأذن الخارجية وبين الأذن الوسطى، ويقوم بحماية الأجزاء الداخلية للأذن من دخول الميكروبات والأتربة والماء إليها من الخارج، وتنتقص تلك الحماية في حالة وجود تمزقٍ في هذا الغشاء أو حدوث ثقبٍ به فحينئذٍ تصبح الأذنُ متصلةً بالبلعوم مباشرة كالأنف. 

 
وبذلك فلا يكون الواصلُ من النقط أو الغسول في الأذن إلى الحلق أو الدماغ حالَ سلامةِ طبلة الأذن نافذًا عبر منفذٍ مفتوحٍ؛ إنما هو حاصلٌ بخاصية التشرب عن طريق المسام كما هو الحاصل في وصول الكحل من العين إلى الحلق، ومن ثَمَّ يترجح القول بصحة الصوم في مثل هذه الحال؛ سواء ظهر أثر النقط في الدماغ أو لا. 

 
فقد اتفق علماء الشافعيَّة على أن الواصل عن طريق المسام لا يُبنَى عليه شيءٌ: 
قال إمام الحرمين الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (15/ 356): [ولم يختلف الأصحاب في أن الواصل بالمسامّ لا حكم له؛ كاللبن يقطّر على الرأس، وقد يُفرض غوصُه وانتهاؤه إلى الدماغ] اهـ. 
وقال العلامة ابن الرفعة الشافعي في "كفاية النبيه في شرح التنبيه" (6/ 314، ط. دار الكتب العلمية): [لا خلاف عندنا في أن ما وصل إلى الجوف والدماغ والمثانة من المسامّ لا يفطر به، ومنه الكحل الحادّ يجد الإنسان طعمه في الفم ولا يفطر به، وكذا شم الروائح الزكيَّة، وأُلْحِقَ به إدراكُ الذوق مع مجِّ جِرْمِ الْمَذُوقِ؛ قاله الإمام والمتولي وغيرهما] اهـ. 




اقرأ أيضًا..

مصطفى حسني: "صاحب قناع الجاني بيخاف يتقال عليه غير شجاع".. فيديو





 

تمزق وثقب طبلة الأذن


 
ويختلف هذا الحكم عند وجود تمزقٍ أو حدوث ثقبٍ في طبلة الأذن؛ فحينئذٍ تكون "قطرة الأذن" من جنس المفطرات باتفاق الفقهاء؛ لأن الأذنَ صارت متصلةً بالبلعوم مباشرةً كالأنف، وللمريض في هذه الحالة الذي لا يستغني عن استعمالها في أثناء النهار رخصةُ الإفطار، بل إذا كان الصوم يضُرّ بصحته -بقول الأطباء المتخصصين- فإن الفطر واجبٌ عليه شرعًا حفاظًا على صحته؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه البخاري، وقول الله تعالى في خصوص الصوم: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. 

 
فإن كان مرضه هذا طارئًا فعليه أن يقضي ما أفطره عندما يُشْفَى، أما إن كان مستمرًّا؛ كالأمراض المزمنة وتلك المتعلقة بالشيخوخة ونحوها، فليس عليه قضاءٌ ما دام العذر باقيًا، وإنما عليه فدية: إطعام مسكين عن كُلّ يوم يفطر فيه؛ وذلك حسب استطاعته المالية، ويمكن دفع القيمة، وإن كان المسلم فقيرًا حال وجوب الفدية عليه أو يكفيه دخله بالكاد في النفقة على نفسه وعلى مَن يعولهم فلا شيء عليه؛ لأنه لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ويستغفر الله تعالى، فإن أيسر بعد ذلك فلا شيء عليه أيضًا؛ لأن وقت خطابه بفدية الصوم لم يكن قادرًا عليها، وعليه أن يستغفر الله تعالى. 

 
وهذا ظاهر مذهب الحنفية؛ قال العلامة ابن عابدين في "الدر المختار" (2/ 427): [(وللشيخ الفاني العاجزِ عن الصومِ الفطرُ، ويفدي) وجوبًا.. لو موسرًا، وإلَّا فيستغفر الله] اهـ. 
وهو قولٌ عند الشافعية رجحه الإمامُ النووي؛ فقال في "المجموع" (6/ 259، ط. دار الفكر): [فَرْعٌ: إذا أوجبنا الفدية علي الشيخ والمريض الميؤوس مِنْ بُرْئِهِ وَكَانَ مُعْسِرًا؛ هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ، أَمْ يَسْقُطُ عَنْهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: .. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهَا تَسْقُطُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ؛ كَالْفطْرَةِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ، وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا] اهـ. 
واختاره الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 89، 151، ط. مكتبة القاهرة)؛ فقال: [فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْإِطْعَامِ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.. والِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ] اهـ. 



 

استعمال قطرة الأُذُن أثناء الصوم 


 
وبناءً على ذلك: فإن استعمال قطرة الأُذُن أثناء الصوم من المسائل المختلف فيها، والمختار للفتوى أنها لا تفطر ما دامت طبلةُ الأذن سليمةً تمنع وصول مكوناتها إلى الحلق مباشرةً، والصوم حينئذٍ صحيحٌ؛ سواء ظَهَرَ أثرُ النقط في الحلق أو لم يَظْهَر، فإن قرر الطبيب أن فيها ثقبًا بحيث يَسمَحُ بوصول تلك المكونات إلى الحلق مباشرةً فإنها حينئذٍ تُفطر. 

 
والله سبحانه وتعالى أعلم. 

ads