يسرا الشرقاوي تكتب: أيتها «العشرينيات الهادرة».. أين أنتِ؟
الأربعاء 01/سبتمبر/2021 - 06:10 م
حفل غنائى صيفي، تستدعى صوره المتناقلة عبر مواقع التواصل الاجتماعى بعض الحولقة، وكثيرا من الاستنكار لما شهده من تزاحم خرافى وتناس متعمد لحقيقة أن الفيروس المستجد لم يغادر، بل زاد حضورا بمتحوراته المتجددة.
القاعدة الإنسانية تفيد بأن كل فترة انحسار، لمرض أو حرب، يتبعها فورة نشاط بشري. ولعل فى ذلك بعض التفسير لاندفاع نهاية الصيفية؟ وكأنه انتقام طفولى عنيد من تكرار أيام العزلة والقلق. وتأكيد أن الحياة تستمر، والمتعة يتجدد إليها السبيل. وذلك ليس بالجديد كليا.
فعشرينيات القرن الماضى جاءت عقب ظروف شديدة الشبه بحاضرنا. فقد أسقطت الأنفلونزا الإسبانية نحو 50 مليون قتيل دوليا، وصرعت الأزمات أغلب الاقتصاديات. وزاد على ذلك، كون العالم مثخنا بجراح الحرب العالمية الأولى. صدمة وانحسار طال مختلف الأصعدة.
فكانت ردة الفعل قوية فى استنفاد فرص الحياة، وعلى مختلف الأصعدة أيضا. عاشت أمريكا وأوروبا، ما عرف بـ العشرينيات الهادرة، أو ما وصفه المؤرخ الاقتصادى جين سمايلي، بـ أول عقد حقيقى فى تاريخ الحداثة. وقع إجماع على ضرورة التغيير والإبداع. فكان الدفع لإرساء النظم الديمقراطية، وإسهام التطور التكنولوجى فى دعم الثورة الصناعية. ازدهرت صناعة السيارات وأثرت على تخطيط المدن، وتدعيم فرص التواصل. تسارع التطوير لفنون وآليات السينما والإذاعة والتصوير، وحتى العمارة جاءت بمدارس تسعى لتحقيق سبل الاستمتاع بالحياة للأغلبية.
زادت المطالبات بتحرير النساء، فالأمريكيات مثلا نلن حق التصويت عام 1920. وتطورت بالتوازى هيئتهن، فظهرت قصات الشعر القصيرة، وأتيح لأدوات التبرج أن تبرز العينين والشفتين دون استحياء. كما تظهر جميلة لوحة مايكا للرسام الألمانى كريستيان تشاد (1894- 1982)، وهى من أهم العناوين البصرية لهذا الزمن. خرجت الفرنسية كوكو شانيل (1883- 1971) بأزيائها لتكشف ما فرضته سنوات الحرب والشح من تجاوز للبهرجة، وتحقق شروط الراحة والحرية للنساء الجديدات.
كان هناك بعض السلبيات المعاندة لمساعى التقدم والسلام، فالتوتر العرقى كان على أشده فى أمريكا. لكن بالتوازي، خرج الأمريكيون ذوو الأصول الأفريقية والكاريبية كرافد حيوي بالمشهد الثقافي والفني، فانتشرت نوادى موسيقى الجاز. وإجمالا، عمت الحفلات، وزاد الإنفاق على سبل الراحة والاستمتاع. عند وقوع واقعة كورونا بداية 2020، كتبت أقلام كثيرة بأن عجلة التاريخ ستدور الدورة ذاتها، وأن عشرينيات هادرة جديدة اقترب أوانها. عارضت تلك الأقلام نبوءات التوارى الدائم للـ العولمة وصعود العزلة، ورفضت إعلان مجلة دير شبيجل الألمانية: موت حياة الليل والاحتفال، أو تأكيد نهاية زمن السلام بالأيدي. المتفائلون أكدوا أن التواصل سيتجدد مع ثورة علمية واقتصادية وثقافية تليق بعشرينيات القرن الجديد، وأن العالم سيعاود الاحتفال. لكن رغم تمهيده لتطوير علمى هنا أو خدمى هناك، فإن الوباء لم يرحل فعليا بعد، ولم تتضح هيئة العالم من بعده. فكان من المبكر جدا مساعى الانتقام احتفالا.. فالعشرينيات الهادرة لم تصل بعد.
_________
الأهرام