السبت 05 أكتوبر 2024 الموافق 02 ربيع الثاني 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

قراءة في لوحة تناقضات للفنانة إشراق عريبي.. صور

الإثنين 09/أغسطس/2021 - 06:10 م
هير نيوز

( عيون ثنائية الرؤية والنظر)
_ عراقية المولد والنشأة والتكوين حملها شغفُها وحُلمُها الفنيُّ وواقع بلدها الضاغط سياسيا واقتصاديا وأزمة الحرب آنذاك_ إلى السفر والترحال وحيثما حلَّتٍ فكّت حقيبتها وأخرجت مرسمها وغسلت فرشاتها وجففتها كما تجفف الأمُّ شَعرَ طفلتها وأعدَّتْ على الفور ألوانها كما تعد عاشقةٌ مُلْهَمَةٌ وجبةً لحبيبها بعد غياب وشوق طويل، مرت بمراحل ثلاث: مرحلة العراق ثم مرحلة البلاد العربية ثم إسبانيا وأخيرا كندا، هي الفنانة إشراق سهر، لها أعمال في متحف الحضارات في العاصمة أوتاوا -أونتاريو، وهو واحد من أهم المتاحف الموجودة في العالم إضافة إلى معارض مشتركة وفردية وأعمال كثيرة خاصة في مدن ودول أخرى.

_ واللوحة التي نتحدث عنها هنا تحمل عنوان (التناقضات) وهي لوحة رسمتها الفنانة قبل أكثر من ثلاثين سنةً بدأت بالعمل عليها في إحدى البلدان العربية التي قضت بها ما يقرب من الستة أعوام أحست خلالها بوضع المرأة وبمدى ظلم القوانين لها واغتصابها لحقوقها أكثر مما أحست به وهي في وطنها الأول، ولقد كتبتْ الفنانة تعليقا على هذا:

"لقد كانت المرأة تجد دائما ما يقيدها ويقيد حريتها والقانونَ الذي لا يرحمها على طول السنين، ولكنه لم يكنْ بالشكل السافر كما هو الآن لدرجة تصل إلى اغتصاب طفولتها".


_ لابد إذن من لقاء ولابد من حديث مفصل وواضح حول إمكانية الفن وقدرته على تغيير الشعوب أو بتعبير أدقّ قدرته في إعداد الفرد والجماعة للتغيير والحركة والتطور وتأهيلهم لفهم واستيعاب التناقضات التي تملأ حياتنا والجمود الذي يلف مساحاتها الخضراء ويتركها بوارا.
 
كل ما هو مقيمٌ باهتٌ في معظم الأحيان فكان على الرمز أن يوجد نفسه ثم كان علينا أن نعيِّنه ونحمّله ما يحتملُ وما لا يحتمل ثم كان انهيار الرمز تبعا لانهيار الثابت المقيم وأصبح المجاز بعد تصالحه مع اللغة الواقعية والتي أنتجها الواقع الجمعي المعاش لا الواقع المتخيل عبر تاريخ اللغة وثقافتها، وعبر مفردات الحياة وأدوات التشكيل الفني الراسخة في الذهنية التاريخية لمجتمع ما أو أمّةٍ من الأمم. لقد خطا الفنّ خطوةً واسعة استطاع أن يثبت من خلالها أنه الضامن الأول إن لم يكن الوحيد لضخ الحياة واستمراريتها إنه ضامن التغيير والنهضة الروحية والمادية.

_ وأصبح لدينا بلاغة الوضوح والمباشرة والتي اسميها بلاغة الصرخة وهي فن مقاوميّ بامتياز تنتجه أرواحٌ مناضلة مؤمنة بالحرية والمساواة مؤمنة بحق كل إنسان في أن يكون على ما يحب غير مُجبر أو مُكرهٍ أو مضطر أو موزَّع بين التناقضات، أرواح لها تجربة ممتلئة في الحياة لها رحلة مع التأمل والصمت والكلام أرواح تعمّدَتْ تحت شمس الشرق وتأملت طويلا قمر الغرب الثلجي، من هذه الأرواح الفنية روح صاحبتها الفنانة إشراق ولوحتها البديعة (تناقضات).

والتي عبرت فيها عن معاناة المرأة في الشرق وفي البلاد العربية على التحديد حيث كانت تقيم بإحدى البلاد العربية ولاحظت إلى مدى سوء وضع المرأة هناك وكم تعاني من فرض معظم أنماط الحياة عليها وأنها مسلوبة الإرادة لا تزال تعيش في قيود وأغلال الأسرة من خلال سلطة الأب والأخ ثم سلطة الزوج وهكذا..، استشفت الفنانة بروحها الأنثوية الثورية مدى معاناة المرأة واستطاعت أن تنقل بصدق كل الأفكار والكلام والهتافات الصارخة الصامتة المتمردة التي تعتمل في صدر المرأة في الشرق وخصوصا في بلاد العرب حيث تم إنجاز العمل.

_ وهذه اللوحة يمكن للجمهور أن يراها من كل الجهات الأربع مما يدل على مدى التناقضات ومدى "اتساع الرؤية وضيق العبارة" إذا جاز التعبير، أيضا نرى الفراغ الواسع ذي اللون السماوي الناصع والذي يشير إلى العالم الحر المفتوح بينما نلحظ أن الكتلة التي تشكل العمل والتي تتشكل من عيون ونظرات لنساء لم يتبق منهن غيرُ عيونهن الكتلة نراها مغلقة على نفسها أو بتعبير أدق وأصدق مكبلة ومقيدة بسلاسل حديدية كما هو موضح باللوحة غير أن هذه السلاسل ما تنفك أن تتكسر وتتمزق رويدا رويدا كلما واصلت المرأة نضالها وكلما كانت عينها على هذا البعيد القريب الذي هو الحرية.


_ وهنا يبرز ملمح أو تيمة من تيمات التشكيل عند صاحبتنا وهو نظرة العين المزدوجة أو العين ذات البؤبؤين وهذا ملمح مثير ويفتح الباب واسعا للعديد من التساؤلات والتأويلات أيضا.

_ إنَّ هذه العين االمزدوجة التي تعبر عن رؤيتين للعالم وتشير إلى الثنائية التي ينشأ عنها الصراع صراع الأضداد والمتناقصات، وتشير إلى أن الفنانة تعالج الموضوع بطرق عديدة وتؤكد على فكرة التناقضات ليس فقط في الأمة أو الشعب أو جماعة ما وإنما في النفس البشرية الواحدة.. وتخص هنا المرأة إذ أنها موضوع العمل _ والتي جعلها المجتمع وتراكمات الفكر الجمعي أن تمتلك هي نفسها عينا مزدوجة تنظر بها لنفسها قبل غيرها.

كما أنها تدل على سيولة الأفكار وكثافتها في مخيلة الفنانة وتعدد الرؤى والدلالات حول الفكرة الواحدة.

_ ويمكننا أيضا أن نقول: إننا نرى سطحا من الألوان المختلطة الصارخة الواضحة ونرى خطوطا تكاد تكون طرقًا ودروبًا إلى الحرية، ونرى عيونًا مفتوحة حدَّ الألم والتشوُّق مملوءةً بالحب والحرمان ونرى سلسلة حديدية تقيد حياة المرأة وتسجنها. الواقع هنا موضوعٌ له الحلٌ الفنيّ والتي نستدل عليه من خلال فتحات السلسلة الحديدية ما يعني أن المرأة تناضل في سبيل كسر هذا القيد بالنضال الحر الذي دعامتاه العلم والثورة.

_ وفي هذه اللوحة إحياء لروح المرأة النبية والمرأة النموذج والمناضلة ويحيي فينا ذكرى مريم عليها السلام حين انتبذت من أهلها مكانا قصيا وذكرى أم موسى إذ كانت من الشجاعة ما تلقي بابنها في النهر، تحيي فيينا ذكرى القديسة چان دارك الفارسة البتول وباختصار تحيي فينا ذكرى البطولة.

وتعيد إلى أذهاننا سؤال: هل تغير وضع المجتمع العربي للأفضل, هل نالت المرأة كل حقوقها، إلى أي درجة وصل نضال المجتمع بكل أفراده وخصوصا نضال المرأة في سبيل حريتها وحرية مصيرها،؟ يعيد ذكرى سؤال الحرية ويطرح من جديد سؤالا حول إمكانية الفن وقدرته في التعبير عن القضايا الشائكة في مجتمعاتنا.

إن العيون لتكاد تحرق ما تغطيه من مدى حتى أن أنها كسرت القيود.. إنها العيون ذات الرؤيَتيْن، المتلهفة العطشانة للحرية والنور والمساواة..
_ وإشراق سهر فنانة كندية عراقية بدأت رحلتها من موطنها الأم حيث تخرجت في معهد الفنون الجميلة (1966:1970) ثم أكملت دراستها في أكاديمية الفنون الجميلة جامعة بغداد (1970:1974)، بعد تخرجها واصلت دراستها في اختصاص طباعة الاقمشة والنسيج في سويسرا (1974:1976).

وبعدها تم تعيينها في قسم التصميم بمؤسسة الغزل والنسيج العراقية، وكانت أول مصممة تنزل التصاميم التاريخية السومرية والأشورية في معرض بغداد الدولي وحازت على الجائزة الأولى لمدة سنتين، واختيرت كواحدة من ثلاث في الإشراف على اختيار التصاميم الخارجية التى تشارك بمعرض بغداد الدولي.

رحلت عام1980 عن العراق إلى الكويت وعملت بمؤسسة المرزوق للطباعة والنشر لمدة عام واحد من الفترة (1981:1982) بعدها عملت بمجال التدريس من الفترة (1982:1986) وفي هذه المرحلة نفذت الكثير من الجداريات واللوحات الزيتة الكبيرة وقامت بمشاركات في معارض للطلبة من المدارس التي درست بها.

تركت الكويت وتوجهت إلى إسبانيا وشاركت في معرضين مع فنانين إسبان أحدهما في صالة بلدية مدريد والآخر في صالة عرض بنك مدريد وصالون كالليري سومر -بيانا، وكان ذلك في الفترة من (1986:1988).

وصلت 1988 كندا وهي المحطة الأخيرة وبداية لمسيرة وتاريخ ومشاركات وعروض أخرى.

اقرأ أيضًا..

ads