بقلم مريم النويمي: القبالة بين المفهوم والواقع

القابلة، هي تلك السيدة التي أظهرتها شاشات السينما والتلفاز كخبيرة تقوم بتوليد النساء، وأحيانًا تمريضهن بغية الحمل، فلربما كان لإحداهن رحمًا مقلوبًا يعوق حملها، هي صديقة النساء وأمينة سرهنّ. دور أم زكي القابلة في مسلسل باب الحارة كان مثالًا لطيفًا على دورها في مجتمعها.
تاريخيًا ظهرت القابلة كجزء أساسي من المجتمع في بلاد الرافدين ومصر القديمة والتي كانت القابلة تحظى فيها باحترام كبير وتعد قريبة من الكاهنات لربطهم الولادة بالقداسة، وكتب أبقراط وسورانوس من اليونان، عن القابلات وأهمية دورهنّ، كان لهنّ خبرة بالأعشاب، الوضعيات المختلفة للولادة والتعامل مع المواليد.
واعتبرت القبالة مهنة نسائية بحتة وما زالت، استمر دورهن حتى العصور الوسطى، كل القابلات يعتمدن على الخبرة المتوارثة لا على تعليم وشهادات، في المسيحية ارتبطت بالطقوس الدينية خصوصًا المعمودية بعد الولادة، أتهمن بممارسة السحر، لارتباط الأعشاب بالسحر في بعض المجتمعات مما أدى إلى اضطهادهنّ. في العصر الإسلامي، كنّ القابلات أكثر أهمية، ومهنتهنّ أكثر تنظيمًا، كتب عن القبالة وأساليب التوليد، الرازي وابن سينا والزهراوي، وظهرت الكتب المتخصصة في القبالة في أوروبا بداية من القرن السادس عشر.
نافس الأطباء الرجال القابلات في مجال التوليد، تدريجيًا، حينها بدأت تتغير مهام القابلة، ولكن ظل دورها أساسيا في المجتمعات الصغيرة.
وفي العصر الحديث، أصبحت القبالة شهادة وتخصص معتمد، يحتاج إلى ترخيص مهني، وهي جزء من النظام الصحي، وهناك درجات عليا منه، نشأ برنامج بكالوريوس العلوم في القبالة كجزء من التخصصات الطبية، وبعد البكالوريوس تستطيع القابلة إكمال دراستها العليا للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة، لتصبح أستاذة أو دكتورة في القبالة تحت مظلة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. دكتورة ليست طبيبة بالطبع ولكنها الدرجة الأعلى في تخصصها.
حينما نسمع مسمى قابلة يتبادر إلى ذهننا تلك الصورة التي رسمتها المسلسلات والأفلام، سيدة تولد النساء، لكن في الحقيقة دور القابلة أكبر من ذلك، القابلة مهمة في حياة الإناث منذ الولادة حتى تبلغ من العمر عتيًا، القابلة ليست للمتزوجات فقط بل للفتيات أيضًا، حينما تظهر علامات البلوغ لدى الفتيات الصغيرات وتبدأ أجسادهن بالتغير استعدادًا للمحيض، يحتجن لخبرة القابلة، تجهزها، تعلمها وتطمئنها، وحينما تكبر وتكتمل أنوثتها ويدق الخاطب باب بيتها طلبًا ليدها، تلعب القابلة دورًا في تثقيفها، وإعدادها لهذه المرحلة من الحياة، لا عجب فهناك فتيات يتزوجن بسن مبكرة ويجهلنّ كثيرًا مما يعرضهن للتجاوزات أحيانًا وهنّ يظنن أنه شيء طبيعي جهلاً منهنّ، فإذا حملت هذه السيدة تابعت حملها، بحيث لا يتم تحويلها لطبيبة النساء والولادة إلا لغرض علاجي أو في حالات الحمل عالي الخطورة أو الحرج، وعند الولادة تقوم بتوليدها القابلة، إلا إذا دعت الحاجة لتدخل الأطباء كحالات العمليات القيصرية العاجلة، وبعد الولادة تهتم بها القابلة وتطمئن على عدم وجود نزيف أو مضاعفات للولادة، وحينما تتقدم السيدة في العمر وتبدأ تشعر بالهبات الساخنة والوهن السريع، كمقدمات انقطاع الطمث، فتدعمها لتجاوز هذه المرحلة وتتابعها حتى انقطاع الطمث، وبعد الإنقطاع تتابعها أيضًا للاطمئنان على صحة عظامها وقلبها ونفسيتها وتحويلها للمختص عند الحاجة.
القابلة دورها بالنسبة للسيدة يمتد مدى الحياة، ستكون في كل حي عيادة قابلة، في المركز الصحي التابع للحي، هذا سيسهل حياة الإناث ويلبي احتياجتهن، وعلينا أن نعرف أن القابلة ليست للتوليد فقط بل خدمات تمتدُّ من المهد إلى اللحد.