رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

الوزير حسن عباس زكي: عالمٌ موسوعي ورجل دولة دراسة تحليلية في مسيرته وإسهاماته"

هير نيوز

تتناول هذه المقالة دراسة شاملة لشخصية الأستاذ الدكتور الوزير حسن عباس زكي (1917–2014)، باعتباره عالمًا موسوعيًا ورجل دولة ومفكرًا مجددًا وشيخًا للطريقة الشاذلية. ترتكز الدراسة على تحليل منهجه الفكري والعلمي، ودوره السياسي والاقتصادي في مصر والعالم العربي—ولا سيما في قرار تأميم قناة السويس—إضافة إلى إسهاماته في السنوات الأولى لتأسيس دولة الإمارات.
كما تستعرض المقالة إرثه الروحي عبر عمله في التصوف، وإنتاجه الفكري الغزير الذي يجمع بين العلم الشرعي والعلوم الإنسانية والاقتصادية. وتمنح الدراسة أهمية خاصة لمواقفه تجاه قضايا العالم الإسلامي، وخاصة قضية كوسوفا، التي تعامل معها بمنهج تحليلي واستراتيجي يجمع بين الرؤية الشرعية والقراءة السياسية.
وتتضمن الدراسة أيضًا شهادة شخصية معمقة للأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي عنه، بما يكشف عن جوانب إنسانية وروحية رفيعة في شخصية الراحل. وتختتم المقالة بفصل عن مكانة الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي العلمية وشهادة الراحل فيه.
تهدف الدراسة إلى تقديم قراءة موسوعية لشخصية ذات أثر متنوع، وتأكيد قيم العلم والعمل، والقيادة الروحية والفكرية، والأخوة الإسلامية، والالتزام بقضايا الأمة.
مقدّمة 
تمثّل سيرة الأستاذ الدكتور الوزير حسن عباس زكي واحدةً من أنصع الصفحات في تاريخ الفكر الإسلامي الحديث والعمل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي في العالم العربي. فهو شخصية استثنائية اجتمعت فيها صفات العالم الموسوعي، ورجل الدولة المسؤول، والمربّي الروحي، والمجدد الفكري، وصاحب المواقف المبدئية من قضايا الأمة. ولد في مصر سنة 1917، لكنه تجاوز حدود الجغرافيا ليترك أثرًا عميقًا في مصر والعالم الإسلامي، وخاصة في منطقة البلقان.
إن دراسة شخصية بهذه الفرادة تتطلب منهجًا شموليًا يجمع بين التحليل التاريخي والرؤية الفكرية والقراءة الروحية. فمن خلال أعماله العلمية، وجهوده السياسية والاقتصادية، واجتهاداته في ميدان التصوف، ومواقفه المشرّفة تجاه قضية كوسوفا والبوسنة والهرسك، تتجلّى ملامح رجلٍ ارتفع فوق المصالح الضيقة، ونذر حياته لخدمة الحق والعدل والإنسان.
ولعل ما يميّز هذا البحث هو اعتماده على شهادات مباشرة من الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي، الذي رافق الراحل في محطات مهمة، واطلع عن قرب على مواقفه، وعقله، وروحه، وانشغالاته الإنسانية. مما يمنح الدراسة طابعًا توثيقيًا فريدًا، يجمع بين الرؤية الأكاديمية والتحليل الموضوعي والشهادة الحية.
تتناول هذه المقالة الأبعاد المختلفة لشخصية الدكتور حسن عباس زكي:
• منهجه الفكري والعلمي،
• دوره السياسي والاقتصادي،
• بصمته الروحية عبر الطريقة الشاذلية،
• إرثه العلمي والمعرفي،
• علاقته الإنسانية بالأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسسوفي،
• وموقفه الريادي تجاه قضية كوسوفا،
إضافة إلى فصل خاص حول مكانة الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي نفسه وشهادة الراحل فيه.
المبحث الأول: الرؤية الفكرية والمنهج العلمي
لم تكن عقلية الدكتور حسن عباس زكي نتاج التخصص الضيق، بل كانت ثمرةً لرؤيةٍ تكامليةٍ نادرة. لقد امتلك منهجاً فريداً في تناول المعرفة، يجمع بين العلم الشرعي الأصيل والعلوم العصرية بمختلف فروعها: الاقتصاد، السياسة، الاجتماع، النفس، التقنية، بل والرياضيات والعلوم البحتة. كان يربط الأسباب بمسبباتها، ويسعى لاكتشاف سنن الله في الكون والمجتمع، منطلقاً من إيمانٍ راسخٍ يربط العالم بخالقه.
لم يكن قارئاً هاوياً، بل كان باحثاً منضبطاً يتابع أحدث الأبحاث والصحف والمجلات المتخصصة والمؤتمرات العلمية، محللاً ومركباً للمعلومات، مستخرجاً لدلالاتها الضمنية، ساعياً إلى النفاذ من الفكر السطحي إلى الفكر العميق، ثم إلى الفكر المستنير بنور الوحي والإيمان. هذا المنهج التكاملي – الذي يجمع بين عالمي المشاهدة والغيب – جعل منه نموذجاً للمفكر المسلم المستنير، القادر على فهم الواقع وتحليله بأدوات العصر دون أن يفقد صلته بالثوابت الشرعية.
المبحث الثاني: الأثر الاقتصادي والسياسي: من التنظير إلى صناعة التاريخ
شكّل الجانب الاقتصادي والسياسي محوراً رئيسياً في حياة الرجل، حيث تقلد منصب وزير الاقتصاد والمالية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. لكن دوره لم يكن دور الموظف الإداري، بل كان صانعاً للقرارات المصيرية. يظل اسمه مرتبطاً بشكلٍ وثيقٍ بقرار تأميم قناة السويس عام 1956، ذلك القرار الذي هزّ العالم، وأعاد تعريف السيادة المصرية والعربية، وأعاد رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. كان الدكتور حسن عباس زكي هو المنفذ الفعلي وصاحب الرؤية الاقتصادية المتينة التي أسندت هذا القرار وجعلته ممكناً على أرض الواقع.
لم يتوقف أثره عند حدود مصر، بل امتد ليكون أحد المهندسين الأساسيين للبنية الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة في سنوات تكوينها الأولى، كما ترأس بنك الشركة المصرفية العربية الدولية، مما يوضح الحظوة الكبيرة والثقة العالية التي حظي بها في الأوساط المالية العربية والدولية. كانت رؤيته الاقتصادية تستشرف المستقبل، وتزاوج بين الأصالة والمعاصرة، وتضع التنمية في إطارها الإنساني والأخلاقي.
المبحث الثالث: التجديد الديني والتربية الروحية: شيخ الطريقة الشاذلية
لم يكن الاقتصاد والسياسة سوى وجهٍ من وجوه هذه الشخصية متعددة الأبعاد. ففي جنبات حياته، كان الدكتور حسن عباس زكي عضو مجمع البحوث الإسلامية، وشيخاً للطريقة الشاذلية، معلماً ومرشداً. لقد أدرك أن الإصلاح الاقتصادي لا يكتمل دون إصلاحٍ للنفوس، وأن التقدم المادي لا قيمة له دون تقدمٍ روحي.
فأحيا سنة ذكر الله، وهدى الناس إلى طريق المحبة والسلام، ناشراً الخير والمعرفة. لم يكن تصوفه انعزالاً عن العالم، بل كان تصوفاً عملياً، يعلو فيه القلب على العقل، ويعلو العقل على السلوك، ليشكل شخصية متوازنة قادرة على العطاء في الدنيا دون أن تفقد صلتها بالآخرة. جسّد في حياته معنى "العالم العامل"، الذي ورث الأنبياء في هداية الناس وعلمهم وعملهم.
المبحث الرابع: الإسهام الأدبي والفكري: المؤلفات والأبحاث
خلّف الدكتور حسن عباس زكي إرثاً كتابياً غنياً، شهد له بالفضل والبراعة والنبوغ. كانت كتاباته تجمع بين دقة البحث الأكاديمي وعمق الرؤية الإسلامية، فطرق أبواباً عديدة في الاقتصاد الإسلامي، والفكر، والتصوف، مستخرجاً من بحور العلوم "اللآلئ والأصداف" التي تثري فهم الدين وتحقق اليقين.
مؤلفاته – ومن بينها ما سطره كاتب هذه السطور في كتاب "الأستاذ الدكتور حسن عباس زكي: حياته وفكره" – لم تكن مجرد سردٍ للمعلومات، بل كانت بمثابة محفزات فكرية، تبعث على النشاط، وتجدد الفكر، وتنمي الشعور الثقافي. كانت كتاباته تجعل القارئ يعيش عظمة دينه في عصرٍ يموج بالتحديات، وتذكره بدور العلماء المسلمين في بناء الحضارة عبر الجمع بين علوم الدين والدنيا. للاطلاع على مزيد من التفاصيل والتحليل العميق، يمكن الرجوع إلى كتاب المؤلف الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي عن: "الأستاذ الدكتور حسن عباس زكي: حياته وفكره"
المبحث الخامس: لقاء الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي بالوزير حسن عباس زكي - شهادة شخصية
في مسيرة التعارف الإنساني ثمة لقاءات تترك أثراً عميقاً في النفس، ولعل لقائي الأول بالوزير العالم الأستاذ الدكتور حسن عباس زكي كان من هذا النوع. فقد جاء هذا اللقاء في لحظة تاريخية حرجة، كنت أحمل فيها همّ قضية البوسنة والهرسك ومحنتها مع صربيا، ساعياً إلى أخذ رأي هذا الرجل الذي سمعت عن حكمته واهتمامه بقضايا الأمة.
ما إن جلست معه حتى وجدتني أمام شخصية نادرة، تجسّدت فيها معاني الأخلاق الرفيعة بأسمى صورها. كان بحقٍّ شخصية عظيمة، يشع من محيّاه الدفء والحنان، حتى إنني شعرت وكأنني أجلس مع والدي، يألفه القلب قبل أن تعرفه العين.
لطالما أذهلني هذا الرجل، فبرغم كثرة مشاغله ومهامه الرسمية، كان يحمل هموم العالم الإسلامي كلها على عاتقه. لم تكن قضايا المسلمين مجرد نقاشات في اجتماعات، بل كانت شغله الشاغل، يعمل بجد واجتهاد في مناصرة المظلومين والمستضعفين. وقد توطدت علاقتي به حين أصبحت أحد من يزودونه بالمعلومات والأخبار عن قضايا دول البلقان، فكان يتلقاها باهتمام بالغ، ويحولها إلى خطط عمل ملموسة.
لم يكن اهتمامه نظرياً فحسب، فقد قمت بزيارته مراراً مع وفود من مقدونيا وكوسوفا والبوسنة، فكان يرحب بهم ترحيباً حاراً، يصغي إلى مشكلاتهم باهتمام، ويقدم لهم الكتب الإسلامية، ويسعى لتلبية احتياجاتهم. ولم أرَ قطّ أحداً طلب منه حاجة فرفض، أو سعى إليه طالباً مساعدة فتوانى. كان بيته قبلة للقاصدين، وقلبه مفتوحاً للمحتاجين.
وما زلت أذكر كيف كنت ألمس في هذا الأستاذ الجليل صفة كريمة، وهي شكر الله على كل نعمة. إذا سمع خبراً يسره، توجه إلى الله بالشكر والثناء، في مشهد يدل على صلة وثيقة بالله تعالى، تجعل من عمله الدنيوي عبادة، ومن سعيه في قضايا الناس طاعة.
وليس غريباً أن يكون اسمه اليوم يتردد على ألسنة المثقفين والمتعلمين في منطقة البلقان، يذكرونه في اجتماعاتهم وندواتهم ومحاضراتهم. فقد كان بحقٍّ أباً للجميع، وراعياً للقضايا العادلة.
رحم الله الأستاذ الوزير حسن عباس زكي، الذي جسّد في حياته معنى العطاء بدون حدود، والاهتمام بدون شروط، فكان نبراساً للعطاء الإنساني، وعلماً من أعلام العمل الخيري المنظم.
المبحث السادس: دور الأستاذ الدكتور الوزير حسن عباس زكي في خدمة قضية كوسوفا - دراسة تحليلية
في أحلك الظروف التي مرت بها الأمة الإسلامية في العصر الحديث، برزت شخصيات تحمل هموم المسلمين في كل مكان، وتضع قضاياهم في مقدمة أولوياتها. ومن أبرز هذه الشخصيات الأستاذ الدكتور الوزير حسن عباس زكي، الذي لم تثنيه مسؤولياته الرسمية ومشاغله الكثيرة عن متابعة قضايا المسلمين بدقة وعناية فائقة، خاصة في منطقة البلقان.
الموقف المبدئي: الأسس الفكرية والدينية
انطلق الدكتور حسن عباس زكي مع قضية كوسوفا من منطلق إيماني راسخ، تجسد في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وفي الحديث النبوي الشريف: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى". 
لقد فهم الرجل أن الأمة الإسلامية كالجسد الواحد، وأن آلام المسلمين في كوسوفا هي آلام لكل مسلم، مما جعله يشمّر عن ساعد الجد، ويستخدم كافة الوسائل المتاحة لمساندة شعب كوسوفا المسلم.
أدوات التدخل وآليات العمل
اتخذ الدكتور حسن عباس زكي عدة وسائل لدعم قضية كوسوفا:
1. الكتابة والتوعية: 
• كتب مقالين تاريخيين يحلل فيهما الأبعاد المختلفة للأزمة
• كشف فيهما عن الجرائم الصربية والمخططات الدولية ضد المسلمين
2. الدعم السياسي والدبلوماسي:
• حثّ الدول الإسلامية على قطع العلاقات مع المعتدين
• دعا إلى تكامل الجهود الإسلامية الرسمية والشعبية
3. البعد الإستراتيجي:
• نظر إلى القضية ليس كحادثة عابرة، بل كمخطط دولي لمناهضة الإسلام
• حذر من توسع نطاق هذه الممارسات إلى دول إسلامية أخرى
تحليل مضامين المقالين
المقال الأول: "غياب الضمير العالمي" (10/7/1999)
• النقد المؤسسي: وجه نقداً لاذعاً لمجلس الأمن والأمم المتحدة لإخفاقه في حماية المسلمين
• الدعوة إلى التحرك الإسلامي المشترك: طالب بتقديم المساعدات العسكرية والغذائية والطبية
• التحليل الاستباقي: حذر من تداعيات السكوت على المجزرة وتكرارها في مناطق أخرى
المقال الثاني: "هم أهل البلاد الأصلية" (4/3/1997)
• كشف المخططات الدولية وأهدافها
• التحليل الديموغرافي: قدم إحصائيات دقيقة عن توزع المسلمين في يوغوسلافيا
• الدعوة الإعلامية: حثّ الصحافة الإسلامية على إعطاء مساحة للقضية
الرؤية الاستراتيجية والأبعاد الفكرية
تميزت رؤية الدكتور حسن عباس زكي للقضية بعدة أبعاد:
1. البعد الحضاري: نظر إلى الصراع على أنه صراع وجودي وليس حدودي
2. البعد الاستراتيجي: فهم أن ما يحدث في البلقان هو جزء من مخطط دولي أوسع
3. البعد التكاملي: دعا إلى تضافر جهود الحكومات والمفكرين والصحفيين والنقابات
4. البعد الشرعي: استند في تحليله إلى الأصول الشرعية في النصرة 
الدروس المستفادة وإرث الرجل
يقدم لنا دور الدكتور حسن عباس زكي في قضية كوسوفا دروساً بالغة الأهمية:
• العالِم المجاهد: كيف يمكن للعالم أن يجمع بين العلم والعمل، والفكر والحركة
• الرؤية الاستشرافية: أهمية القراءة الاستراتيجية للأحداث الدولية
• التكامل بين العمل الرسمي والشعبي: ضرورة الجمع بين دبلوماسية الدولة وحركة المجتمع
• الربط بين القضايا: فهم الترابط بين قضايا الأمة في مختلف الجغرافيات
لقد كان الرجل بحقٍّ نموذجاً للعالم العامل، والسياسي المبدئي، والمفكر المستنير، الذي جسّد في موقفه من قضية كوسوفا معنى الأخوة الإسلامية، وضرورة النصرة، وحكمة التعامل مع الأحداث الدولية.
المبحث السابع: مكانة الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي العلمية والفكرية وشهادات التقدير
شهادة الأستاذ الدكتور الوزير حسن عباس زكي: تحليل نقدي
في إطار التقدير العلمي والدبلوماسي، تأتي شهادة الأستاذ الدكتور الوزير حسن عباس زكي، وزير الخزانة والتموين الاقتصاد الأسبق، لتؤكد المكانة الرفيعة التي يحظى بها الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي. فقد قال فيه:
"السيد الأخ الداعية الإسلامي الدكتور بكر إسماعيل من جمهورية كوسوفا المسلمة، يسرني ويشرفني أنني أشوفك مرة ثانية. نحن التقينا منذ سنوات، وأنا في الحقيقة أقدر فيك الجهاد الذي تقوم به، ونشر الإسلام كما يجب أن يكون، وتؤدي رسالة إنسانية ستثاب عليها إن شاء الله دنيا وآخرة. وطبعاً كلنا نحب نعاون كوسوفا، لأن كوسوفا من البلاد التي فيها علماء ومفكرين... وأنت لك دور كبير في هذا حقيقة، لأنه واضح من كفائتك وعلمك ومسارعتك التي تم في أوقات صعبة. وهو شخصية بارزة علمياً ودينياً وإعلامياً، وله نشاط كبير داخل كوسوفا وخارجها، ورائد لقضية بلده في مصر والعالم العربي والإسلامي."
تحليل الشهادة من منظور أدبي وسياسي ودبلوماسي:
• البعد الأدبي: تظهر الشهادة براعة الوزير حسن عباس زكي في استخدام لغة أدبية رفيعة، تجمع بين الدفء والتقدير، مع الإشارة إلى الصفات الشخصية والعلمية للدكتور بكر إسماعيل.
• البعد السياسي والدبلوماسي: تؤكد الشهادة على الدور الريادي للدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي في تمثيل قضية بلده، وكوسوفا بشكل عام، في العالمين العربي والإسلامي. كما تبرز أهمية التعاون مع كوسوفا كدولة تحتضن علماء ومفكرين، مما يعكس نظرة استراتيجية تجاه البلقان.
• البعد الإنساني والديني: تُظهر الشهادة تقديراً عميقاً للجهاد العلمي والدعوي الذي يمارسه الدكتور بكر، مع الدعاء له بأن يثاب على جهوده في الدنيا والآخرة.
وأخيراً تبقى تبقى شخصية الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي شاهداً على أن العالم الحقيقي هو من يجمع بين العلم والعمل، وبين الفكر والحركة. وقد جاءت شهادة الأستاذ الدكتور الوزير حسن عباس زكي لتؤكد هذه المكانة، وتبرز الدور الذي يلعبه العلماء في بناء الجسور بين الأمم، ونشر القيم الإسلامية الأصيلة.
فهو بحقٍّ عالم موسوعي، وداعية متحرك، وسفير لبلاده في المحافل الدولية، يستحق أن يُدرس تراثه، وتُقرأ سيرته، لتكون نبراساً للأجيال القادمة.
مختارات من أقوال الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي عن الأستاذ الدكتور حسن عباس زكي
في وصف شخصيته وأخلاقه
• "وجدته على درجة عليا من الأخلاق، ووجدته شخصية عظيمة فيها الدفء والحنان كأنني أشعر بأني أجلس مع والدي."
• "رغم كثرة مشاغله إلا أنه كان يحمل هموم العالم الإسلامي وقضاياه والشعوب الإسلامية المضطهدة على عاتقه، يعمل بجد واجتهاد في مناصرة تلك القضايا."
• "لم يرد أحداً طلبه قط، أو امتنع عن مقابلة أحد أو مساعدته مهما كلفه ذلك، ومهما كانت الظروف والأسباب."
في مكانته العلمية والفكرية
• "ذلك هو العلامة التقى النقى الحسيب، النسيب السيد الأستاذ الوزير حسن عباس زكي."
• "إن العالم أمامه كل يوم عالم الأشياء، وعالم الأشخاص، وعالم الأحداث، وعالم الأفكار، وعالم النظم."
• "في كل ذلك يعلو قلبه على عقله، ويعلو عقله على سلوكه."
في عطائه الفكري والعلمي
• "فكتاباته تجعلنا نعيش عصرنا بوعي كامل لعظمة ديننا، وفي نفس الوقت تعيد لأذهاننا دور علماء المسلمين الأوائل."
• "يغوص في أعماقها ليستخرج اللآلئ والأصداف التي تضيف مزيداً من فهم الدين، وتحقيق اليقين."
• "فهو يخوض بحار تلك العلوم المتلاطمة أمواجها بهمة لا تلين، وعزيمة الرجال المخلصين."
في دوره السياسي والاقتصادي
• "هو رجل دولة، واقتصادي مصري، وزير الاقتصاد والمالية في عهد جمال عبد الناصر، ومنفذ وصاحب قرار تأميم قناة السويس."
• "شغل مناصب حساسة وحيوية عديدة، مما جعله من أصحاب الآراء المسموعة، وأصحاب العقول السليمة."
• "قدم عطاء كبيراً في مجال الاقتصاد والتجارة، مدققاً في كل ما يتعلق بشأن التقدم في هذا المجال."
في بصمته الروحية
• "شيخ الطريقة الشاذلية وعضو مجمع البحوث الإسلامية."
• "هدى الناس إلى الله، وأحيا سنة ذكر الله بينهم ونشر الخير فيهم."
• "إذا ما سمع خبراً يسره توجه إلى الله بالشكر والثناء، مما يدل على صلته وعلاقته بالله تعالى."
في تأثيره وشهادات الاعتراف به
• "عندما ألتقى بالشخصيات الكبيرة، والمهمة أجدهم يذكرونه ويثنون عليه ثناء حسناً جميلاً."
• "اسمه ليس غريباً على المسلمين في منطقة البلقان، بل أصبح الآن اسمه يتردد على الألسنة."
• "حجة من حجج الله على الناس في ذلك العصر شديد التدهور، والتغير والتطور."
في خلاصة تقييمه
• "هو فرد من أفراد الزمان وعلم من أعلام الإسلام، وولى من أولياء الله الصالحين.
• "مهما قيل من كلام سيكون ذلك العالم أكبر مما يقال، وتظل حقيقته أعلى من ما يسطر."
• "من تلك الزمرة الذين ورثوا الأنبياء، فلم يأل جهداً، ولم يدخر وسعاً، ولم يضن بوقت في سبيل الاجتهاد في علوم الدين."
أولًا: القصيدة — "رحيلٌ إلى النور"
بقلمٍ الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
يا سائلاً عن فتىً غابَتْ ملامِحُهُ
لكنْ بقيتْ سناهُ في الأرواحِ يزدهرُ
هذي كوسوفا تُنادي اسمَهُ ولهًا
والدَّمْعُ من شرفاتِ القلبِ يَنْهَمِرُ
يا مصرُ قد عادَ، لا موتٌ يصدُّ خُطاهُ
بلْ رَحْلةٌ نحوَ عرشِ اللهِ تَنْتَشِرُ
ما كان يُطفِئُ في روحِ الفقيرِ أسا
إلّا إذا قيلَ: جاءَ حسنٌ فازدهَرَ الدَّرَبُ
كمْ كانَ أبًا، وفي أحناءِ مُقْعَدِهِ
كنتُ أراهُ… وقلبي فيهِ يفتخرُ
أجلسُ مثلي على أعتابِ حُضنِ أبٍ
حنّانِ.. يحملُ عني الهمَّ ويعتذرُ
لم يردِ السائلَ المسكينَ في ضجرٍ
ولا طوى عن خطاهُ البابَ أو نَفَرُ
بلْ كانَ بيتُهُ للإثمِ مُغْلَقَةً
وبابُهُ للورى مفتوحَةً الدُّرَرُ
كوسوفَا كانتِ الجرحَ الذي نَزَفَتْ
ومِصْرُ كانتْ لها الدِّفْءَ الذي انتصروا
فكيف أنسى وقد كنّا على ثقةٍ
نمشي، وتحملُنا الأسرارُ والفِكَرُ
هو الذي قالَ حينَ الْتَقْتُهُ أبَدًا:
"أنتَ ابنُنا… وعلى الإيمانِ نعتصِرُ"
واليومَ أُرسِلُ ملءَ الدمعِ قافيتي
تجري، وتعرفُ أنَّ الدَّوْرَ مُنْتَظَرُ
ما ماتَ حسنٌ، ولكنْ غابَ عن بصرٍ
وموعدُ العينِ يومَ الحشرِ يُنْتَظَرُ
قد عادَ لمصرَ… لكنْ فيكَ يا وطنِي
نبضٌ لهُ، ولأرضِ البِرِّ يَفْتَخِرُ
نامَتْ جفونُكَ يا شيخَ الشَّذولِيّةِ
والذِّكرُ فينا وفي آفاقِنا سُوَرُ
يا من حملتَ قضايا البلقانِ كلَّها
ورُحْتَ تَعبُرُ بالحقِّ الذي سَطَروا
نمْ في سلامٍ… فقد أوْدَعْتَ سيرتَكَ الـ
نورَ الذي لا يُطَفّى… لا ولا يَغْدُرُ
ثانيًا: التحليل الأدبي للقصيدة
1. البنية الموضوعية (المحتوى والدلالة)
تقوم القصيدة على ثنائية الرحيل/البقاء؛ إذ يظهر الدكتور حسن عباس زكي راحلًا بجسده، باقٍ بعمله، متجذرًا في ذاكرة كوسوفا ومصر معًا.
الشاعر (الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي) يُقدّم صورة مزدوجة:
• أبٌ روحيّ يحتضن القضايا
• و رجلُ دولةٍ لا تغيب عنه آلام المسلمين
وهذه الثنائية تُشكّل محور القصيدة: الروحانية والسياسة، الأبوة والقيادة، الرحيل والحضور.
2. البنية الشعورية (الوجدان)
الانفعال الغالب هو الحزن الوقور، لا حزن الانكسار.
تظهر في النص طبقات وجدانية متعددة:
• حزن ابنٍ يشعر بفقد أب
• حزن أمّةٍ فقدت نصيرًا
• اعتزازٌ بالعلاقة الشخصية التي جمعت بين الشاعر والفقيد
والقصيدة تخلق "تبادلية عاطفية" بين كوسوفا ومصر، فكلاهما يبكي الرجل.
3. الأسلوب والصور الشعرية
أ. الصور الرمزية
• "رحلة نحو عرش الله": رمز لانتقال الروح طاهرةً مطمئنةً.
• "الدفء الذي انتصروا": تحويل الدعم الروحي والسياسي إلى حرارة حياة.
• "بابه للورى مفتوحة الدرر": صورة شفيفة لكرم العالم العامل.
ب. المقابلة والطباق
القصيدة تقوم على مقابلات معنوية:
• الموت ⟷ الحياة
• الغياب ⟷ الحضور
• كوسوفا الجريحة ⟷ مصر الحضن
• الفقر ⟷ الكرم
وهي أدوات تجسد عمق تأثير الراحل في أكثر من مكان.
ج. الموسيقى الشعرية
• البناء العمودي يمنح النصّ جزالة تتناسب مع مقام الفقيد.
• القافية المتتابعة (الراء) تعطي انسيابية حزينة ووقارًا.
• الإيقاع الداخلي قائم على التوازن بين الجمل الفعلية (حركة) والجمل الاسمية (ثبات)، مما يعكس طبيعة سيرته: حركة دائمة، ومبادئ ثابتة.
4. الصورة الشخصية للفقيد في القصيدة
تبدو شخصية الدكتور حسن عباس زكي هنا من خلال أربعة محاور:
1. الأب الروحي: "كأنني أجلس مع والدي"
2. المصلح العالمي: "كوسوفا كانت الجرح…"
3. العالم الذاكر: "نم في سلام… فالذكر فينا"
4. رجل الدولة المؤمن: "لم يردّ سائلًا يومًا"
بهذا يقدّم الشاعر صورة جامعة بين الجانب الروحي والسياسي والفكري، كما وصفه في المقالة.
5. القيمة الفنية والفكرية
القصيدة تحمل قيمة مزدوجة:
• فنية: لما فيها من الصور والموسيقى والتشكيل الرمزي.
• تاريخية/توثيقية: لأنها تمثل شهادة شخصية من أحد أقرب الناس إليه، وهو الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل.
خاتمة 
تظهر الدراسة في مجموعها أن شخصية الأستاذ الدكتور الوزير حسن عباس زكي لم تكن نموذجًا تقليديًا للعالم أو السياسي، بل كانت نموذجًا مركّبًا يحقق التوازن بين العقل والروح، والفقه والاقتصاد، والمعرفة الأكاديمية والعمل الإصلاحي، والدور الرسمي والمبادرة الشعبية. لقد قدّم نموذجًا فريدًا للقيادة الفكرية والروحية التي تترجم العلم إلى فعل، واليقين إلى مشروع، والرحمة إلى مواقف سياسية ومجتمعية مؤثرة.
كما يتضح من خلال تحليل دوره في قضية كوسوفا أن الراحل لم يتعامل مع القضية باعتبارها حدثًا عابرًا، بل باعتبارها جزءًا من مسؤولية الأمة كلها. وقد شكّلت مقالاته وتحركاته الدبلوماسية ورؤيته التحليلية العميقة رافدًا مهمًا لصوت المظلومين في البلقان، وأظهرت فهمه الاستراتيجي لطبيعة الصراع الدولي.
إن إرث الرجل لا يتمثل في المناصب التي شغلها فحسب، بل في القيم التي كرّسها: الإخلاص، الشجاعة الأخلاقية، الإيمان العميق، الانفتاح الفكري، والنظر الشمولي للإنسان وقضاياه. وقد عبّر الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل بصدق في شهاداته عنه عن هذا التميز الروحي والإنساني، مما يجعل هذه الشهادة إضافة نوعية في فهم شخصية الراحل.
وبذلك تخلص الدراسة إلى أن حسن عباس زكي كان بحقٍّ “فردًا من أفراد الزمان”، ورمزًا من رموز النهضة الفكرية والروحية والسياسية، وستظل سيرته مصدر إلهام للأجيال القادمة، ونموذجًا يُقتدى به في الجمع بين العلم والعمل، وبين الفكر والميدان.
رحم الله الأستاذ الجليل، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
كاتب الدراسة: 
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية 
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]

تم نسخ الرابط