رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم ميسون الدخيل: التهجير والإبادة وجهان لعملة واحدة

هير نيوز

الدكتور الراحل عبدالوهاب المسيري تحدث بتوسع عن ثقافة الترانسفير والعلمانية، حيث أخبرنا أنه منذ نشأة الحضارة الغربية الحديثة في أواخر القرن السادس عشر، ظهر نمط من التجريد من الإنسانية، واختزال جميع البشر، سواء من الشرق أو الغرب، إلى مجرد مادة للاستغلال. يرى هذا المنظور أن الأفراد يمتلكون قيمة فقط من حيث المنفعة - إما كموارد مفيدة أو كفائض يجب التخلص منه. وينطبق هذا التحويل للبشرية إلى مجرد مادة على المستوى العالمي، مما يؤدي إلى نظرة عالمية تصنف الناس على أساس فائدتهم؛ أي حسب المنظور المتوقع لاستخدامهم.

وفي هذا الإطار، تصور الإنسان الغربي أنه «سوبرمان» يتمتع بحقوق تتجاوز الاعتبارات الأخلاقية، ويملك القدرة على فرض إرادته بالقوة. وقد مورست هذه السلطة تاريخيًا على شعوب آسيا وأفريقيا والأمريكتين - التي اعتُبرت أدنى مرتبةً وأُنزلت إلى أدوارٍ لا تعدو كونها مجرد أدوات للتقدم الغربي. وبالتالي، كان يُنظر إلى العالم على أنه مورد يجب استغلاله لصالح الحضارة الغربية «المتقدمة».

تجلت هذه النظرة العالمية في إجراءين أساسيين: نقل السكان الذين يعتبرون مفيدين وإبادة أولئك الذين يعتبرون مستهلكين. عملية نقل الأفراد لصالح الغرب هي عملية تاريخية ومستمرة على حد سواء. فقد بدأ تشكيل الحضارة الغربية الحديثة بنقل المنشقين، مثل البيوريتانيين، إلى أمريكا، إلى جانب المجرمين والعاجزين عن الارتقاء في السلم الاجتماعي. وأعقب هذا التهجير الأولي النقل الجماعي لملايين الأفارقة إلى الأمريكتين كمصدر للعمالة الرخيصة.

ومع توسع القوة العسكرية الأوروبية، مكّن ذلك الاستعمار الاستيطاني، حيث تم نقل الفائض البشري لخدمة المصالح الغربية. وشمل ذلك حركات هجرة مختلفة، بما في ذلك نقل مجموعات الأقليات لتكوين جيوب استيطانية في الأراضي الجديدة؛ على سبيل المثال، أُرسل المهاجرون الصينيون إلى ماليزيا، والهنود إلى مواقع مختلفة، وغالبًا ما كان ذلك لتأسيس موطئ قدم استعماري. أما في روسيا القيصرية والسوفييتية، كانت عمليات النقل الاستراتيجية تهدف إلى تغيير التوازنات الديموغرافية لصالح الهيمنة الروسية، كما حدث في لواء اسكندرون عقب الحرب العالمية الثانية.

على مر التاريخ، تم تحويل المقاتلين من آسيا وأفريقيا إلى مرتزقة للجيوش الاستعمارية الغربية. كان ذلك واضحًا خلال الحملات العسكرية البريطانية، حيث خدم الجنود الهنود كأصول مستهلكة في صراعات مثل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وقد شهدت الحرب العالمية الأولى نزوح العديد من الهنود الشماليين لسد الثغرات العسكرية، حيث خدم بعضهم في أدوار غير قتالية بينما شارك آخرون في القتال مباشرة، ولا ننسى وضع الفرق العربية في مواجهة الضربات الأولى خلال الحرب العالمية الثانية من قبل الدول الغربية المتقاتلة؛ أي عربي يضرب عربي!

استمرت عمليات التهجير الجماعي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث تم تهجير السكان قسرًا مثل اليونانيين والأتراك. وقد أثرت هذه العمليات على سياسات هتلر تجاه اليهود، حيث سعى إلى تخليص ألمانيا مما اعتبره فائضًا من السكان غير المرغوب بيهم؛ وفكّر نظامه في استراتيجيات مختلفة لإعادة التوطين، مما يعكس اتجاهًا أوسع نطاقًا للنظر إلى البشر على أنهم مادة يجب نقلها أو التخلص منها بناءً على فائدتها.

لقد أصبح مفهوم «الانتقال» جزءًا لا يتجزأ من الوعي الغربي، مما يؤطر الطبيعة البشرية من خلال عدسة التسليع، ويتجلى هذا المنظور في المواقف الثقافية التي تختزل العلاقات إلى معاملات؛ أي معاملة الأفراد كأشياء للاستخدام بدلًا من اعتبارهم كائنات ذات كرامة متأصلة. وتترتب على عقلية «التسليع» آثار عميقة على كيفية رؤية المجتمعات لقضايا الصراع والنزوح.

وفي السياق المعاصر، يتجلى هذا المنظور بشكل صارخ في مقاربة القضية الفلسطينية. فالتصريحات الأخيرة للرئيس دونالد ترمب تشير إلى دفع الدول المجاورة، وتحديدًا مصر والأردن، إلى استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين من غزة. فقد وصف ترامب قطاع غزة بأنه «فوضى حقيقية»، مشيرًا إلى أن نقل سكانه يمكن أن يوفر حلًا للأزمة الإنسانية المستمرة، واقترح أن تقوم هذه الدول العربية بإيواء سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة بشكل مؤقت أو دائم، في محاولة «لإخلاء» القطاع.

وتعكس تعليقات ترمب استمرارية مقلقة مع الأنماط التاريخية للترحيل والإبادة، فبدلًا من دعم الشعب الفلسطيني في إعادة بناء وطنه، يتحول التركيز إلى نقلهم إلى مكان آخر، مما يزيد من ترسيخ وضعهم كفائض بشري، وتعكس هذه المقاربة تاريخًا طويلًا من التهجير، حيث تطغى النفعية السياسية على احتياجات وحقوق السكان المتضررين.

ومن خلال الدعوة إلى نقل سكان غزة إلى مكان آخر، هناك خطر واضح يتمثل في إدامة دائرة التجريد من الإنسانية. إن «الحل» المقترح يتجاهل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني في أرضه ودياره وكرامته، وهو يمثل استمرارًا للعقلية الاستعمارية التي تنظر إلى الناس على أنهم مجرد موارد يجب إدارتها وليس كأفراد لهم قدرة وقيمة متأصلة.

الرد العالمي على مثل هذه المقترحات يجب أن يتعامل بشكل نقدي مع السياق التاريخي للترحيل والإبادة، مع الاعتراف بالآثار المستمرة لهذه الإجراءات، فلا يمكن حل القضية الفلسطينية من خلال تبسيط عملية نقل السكان، ولا يمكن معالجتها باختزال الأفراد إلى مجرد وحدات اقتصادية. الحل الحقيقي يجب أن ينطوي على دعم حقوق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم وإعادة بناء مجتمعاتهم وتحقيق تقرير المصير.

لا تزال مواضيع الترحيل والإبادة ذات صلة اليوم، حيث تشكل الخطاب حول الأزمات الإنسانية ونزوح السكان. إن فهم هذه الديناميكيات أمر بالغ الأهمية لمعالجة القضايا المعاصرة من منظور التعاطف واحترام الكرامة الإنسانية، ويكمن التحدي في تعزيز الوعي العالمي الذي يعطي الأولوية لحقوق ورفاهية جميع الأفراد، لا سيما أولئك المهمشين والمجردين من إنسانيتهم تاريخيًا. وبذلك فقط يمكننا أن نأمل في التحرر من دورات الاستغلال التي طبعت العلاقات الإنسانية لقرون.

نقلا عن الوطن السعودية
تم نسخ الرابط