بقلم مريم النويمي: الطفولة في زمن الحرب
ضحايا الحروب - أحد المظاهر الاجتماعية التي لازمت المجتمع الإنساني منذ بدايته - فاقوا ضحايا الكوارث الطبيعية، فحسب تقصي منظمة اليونيسف أنه منذ بدأت عمليات الرصد عام 2005 حتى 2022، تحققت الأمم المتحدة من وقوع 315.000 انتهاك جسيم ضد الأطفال، ارتكبته أطراف مختلفة في أكثر من 30 نزاعًا في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، يمثل الأطفال النسبة الأكبر من المتضررين بالحروب لأنهم الفئة الأضعف.
الانتهاكات ضد الأطفال تشمل تجنيدهم، تعذيبهم وتشويههم، التعدي الجسدي عليهم وقتلهم، وفي كثير من الأحيان سجنهم، وكذلك من الانتهاكات منع وصول المساعدات الإنسانية لهم وهدم المدارس والمستشفيات، هناك علاقة طردية بين الأوبئة والحروب، فكلما زادت الحروب زادت الأوبئة، عدد الضحايا الذين يلقون حتفهم جراء المرض وسوء التغذية نتيجة الحروب، يُعد أكبر من عدد ضحايا القتل.
تضعف قوة النظم الصحية أو ربما تنهار بفعل التدمير المتعمد أو غير المتعمد للمرافق الصحية، وظروف النزاع غالبًا تكون عائقًا أمام إيصال المساعدات الطبية للمحتاجين، فهناك العديد من الأمراض التي يمكن الوقاية منها، لكن العجز عن الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية قد يفاقم حالة المريض ما يؤدي إلى الوفاة أحيانًا.
قد يكون أطفال غزة المثال الأكثر حضورًا في ساحة الحرب، أطفال تُهدم مدارسهم وتقتل أسرهم ويُشتت شملهم، وتدمرت المرافق الصحية، وقد تضررت حوالي نصف شبكة المياه فأصبح الحصول على ماء صالح للاستخدام صعبًا، وكذلك تدمرت محطات الصرف الصحي، ما عرض الأطفال لخطر الإصابة بالأمراض المعدية، فانتشرت بينهم النزلات المعوية والتهابات الكبد الوبائي وعدوى الأمراض التنفسية، نتيجة تكدس النازحين في الملاجئ والمخيمات، وقلة التعقيم وشُح الماء.
الأطفال عرضة للصدمة النفسية إثر ما تسببه الحروب من خوف وهلع دائم، كذلك لرؤيتهم أحبتهم وهم يموتون أمام أعينهم، كل ما يتعرضون له من انتهاكات سينعكس على مشاعرهم وسلوكهم بعد ذلك. أوضحت دراسة أجريت على ضحايا الحرب من الأطفال، أن الأطفال الذين يتعرضون لعدد يومي متزايد من مشاهد العنف هم عرضة أكثر لاضطراب ما بعد الصدمة، وهو الأمر الذي يمكن أن يزيد من السلوك العدواني لدى هؤلاء الأطفال مستقبلًا حينما يصبحون بالغين، حيث وجدوا أن هؤلاء الأطفال يعانون من المخاوف والقلق والكوابيس. وكلما زاد التعرض للعنف، ساءت العواقب، وعلى سبيل المثال، فالأطفال الذين يتعرضون لعمليات أقل من العنف كانت نسبة ممارستهم العنف ضد أقرانهم تبلغ 51%، وكانت النسبة أكثر خطورة بالنسبة للأطفال الذين يتعرضون لعمليات أكبر من العنف، حيث بلغت النسبة 71 %. ونحن في عالمنا العربي لا نعطي الاهتمام الكافي بالوسائل المطلوبة لاحتواء رد فعل الأطفال بعد الصدمات، لا توزيع الحلوى ولا علاج جروحهم أو حتى زراعة أطراف صناعية لهم ستقتلع ما زرعته الحرب في قلوبهم، رغم أن كل هذا مجرد ترميم للجسد، أمّا الروح إذا تهشمت مبكرًا فصعبٌ جبرها.
الحروب والنزاعات ليست عدو الصحة فقط بل عدو لدود للمعرفة، فمن أخطر المشكلات التي تهدد الأطفال في مناطق الحروب الزيادة المطردة في أعداد المحرومين من مقاعد الدراسة، لهدم المدارس، لقتل المعلمين أو اختطاف الأطفال، أو تسربهم من المدارس إلى سوق العمل نتيجة الفقر الذي تسببه النزاعات بالذات في العالم العربي، وهذا سيفضي لا محالة إلى هدر طاقة الإنسان العربي وتخلفه. لا شيء يغتال الأحلام كالحروب.
نقلا عن الوطن السعودية