بقلم ملحة عبدالله: الإنتاج المؤسسي وتشكيل الذوق العام

بقلم ملحة عبدالله: الإنتاج المؤسسي وتشكيل الذوق العام.. لا يوجد الآن توجه مؤسسي لتشكيل الذوق العام لأن هذا التوجه والحرص يستلزم وضع استراتيجية وآليات تنفيذ وميزانيات وقائمين على التنفيذ، فوفرة العروض وتنوعها هو ما يشكل الذوق العام، وتعاني القطاعات الفنية الآن من خروج عدد كبير من الفنانين على المعاش مع عدم وجود أعداد تعوض هذا الفقد السنوي.
مما لا شك فيه أن الإنتاج الخاص وسلطة المال قد أطلقتا العنان لتنوع الفنون، والتي أتت بدورها على الإنتاج المؤسسي إن جاز التعبير.
بقلم ملحة عبدالله: الإنتاج المؤسسي وتشكيل الذوق العام.. وفي ضوء هذا الشأن أطلق المهرجان القومي للمسرح ندوة تحمل هذا الهم بحضور عدد من النقاد والمتخصصين ومنهم الكاتب والمخرج ومدير إدارة التراث بوزارة الثقافة أشرف عزب، والكاتبة رشا عبدالمنعم عضو اللجنة العليا للمهرجان وكاتبة مسرحية، ومحمد طايع ناقد ومخرج بالثقافة الجماهيرية، وتناول كل منهم إشكالية الصناعة المؤسسية في إنتاج المسرح ودورها في صناعة الذوق العام. وتحدث أشرف عزب عن "أن التوجه المؤسسي هو المنهجية التي تتبناها المؤسسة لتحديد مسارها المستقبلي وتوجيه جهودها لتحقيق أهدافها، يشمل ذلك تحديد الرؤية والرسالة والقيم، ووضع الاستراتيجيات والخطط، وتحديد الممارسات والإجراءات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، ببساطة هو الإطار العام الذي يوجه المؤسسة في رحلتها نحو النجاح في مجموعة اقتراحات ومنها:
التوجه الاستراتيجي: تحديد الأهداف طويلة المدى للمؤسسة وكيفية تحقيقها.
التوجه نحو العملاء: التركيز على تلبية احتياجات وتوقعات العملاء.
التوجه نحو الابتكار: السعي الدائم لتحسين وتطوير المنتجات والخدمات والعمليات.
التوجه نحو الكفاءة والفعالية: تحقيق أفضل النتائج باستخدام أقل الموارد.
التوجه نحو التميز: السعي لتحقيق أداء متميز في جميع جوانب العمل.
بقلم ملحة عبدالله: الإنتاج المؤسسي وتشكيل الذوق العام.. وفي سبيل المؤسسة إلى تحقيق هذه الأهداف تقوم بتشكيل وعي وذوق المواطن الذي تستهدفه المؤسسة في نشاطها الثقافي في أولى اهتماماتها، ولفظ الذوق العام حسب التعريب الاصطلاحي، الذوق: قدرة الإنسان على التفاعل مع القيم الجمالية في الأشياء وخاصة في الأعمال الفنية. أما الذوق العام: فمجموع تجارب الإنسان التي على ضوئها ما يحسه أو يدركه من الأشياء ويسمى الإدراك السليم.
بقلم ملحة عبدالله: الإنتاج المؤسسي وتشكيل الذوق العام.. خصص أشرف عزب المؤسسة في وزارة الثقافة، وعمل على مقارنة بين فترة الستينات والفترة الراهنة، بحيث أن تلك الفترة كان تؤطر للفكر الاشتراكي، وتناول بعض الأمثلة مثل: مسرحية سكة السلامة للكاتب سعد الدين وهبة، والتي تلخص في حافلة تحمل مجموعة من الناس تفقد طريقها وتضيع في الصحراء، معللاً ذلك بظهور الفكر الاشتراكي وضياع البوصلة الفكرية، مضيفاً إلى ذلك موضوع فيلم بين السماء والأرض للمخرج صلاح أبو سيف، والذي يشير إلى حركة صعود المجتمع المصري ويحيلنا إلى نفس نتيجة مسرحية سكة السلامة، وهو توجه مسرحي في تلك الحقبة يتوجه بقوة إلى صناعة الذوق والفكر العام بالإضافة إلى كثرة وغزارة الإقبال على المسرح في تلك الآونة، ثم انتقل بنا إلى الحالة الفنية الحاضرة، وخصص في هذا الشأن البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية كونه من المشتغلين فيه كمدير إدارة للتراث بها، وقارن بين نشأة فرقة رضا تلك الفرقة العالمية للفنون الشعبية التي كانت تجوب العالم بعروضها بقيادة الفنان محمود رضا -رحمه الله-، وكيف أنها الآن تئن من ندرة الراقصين وتشتكي من قلة أدوات الإنتاج، ثم عمم ذلك على باقي الفرق التي تحتاج إلى استراتيجية وميزانيات، وما إلى ذلك.
بقلم ملحة عبدالله: الإنتاج المؤسسي وتشكيل الذوق العام.. أما ما قدمته الكاتبة رشا عبدالمنعم، عضو اللجنة العليا للمهرجان عن المسرح المستقل، وهو مسرح حر يحتوي الهواة ومعتمد من وزارة الثقافة، فقد ركزت على خلل مركزية المسرح في القاهرة والإسكندرية، وأن هذا الخلل يعمل على استبعاد جميع الأقطار الأخرى من المسرح، كما أنها اشتكت من التضخم الوظيفي في الإدارات المسرحية، معللة ذلك بنسبة الموظف للفنان، بأن لكل فنان اثنين موظفين، هذا التضخم الوظيفي عمل على قلة عدد الفنانين في القطاعات المسرحية بشكل عام، كما أنها تحدثت عن إشكالية الموظف الفنان، إذ إنه يشتغل من أجل أن يحصل على الحوافز الخاصة به مطالبة بوقفة وعمل استراتيجية بعيداً عن البيروقراطية والترويج للأعمال وتحديث الأنظمة من الورقية إلى الإلكترونية وتغير اللوائح والقوانين القديمة، وطالت بإعادة تدوير الديكور والأزياء لتضخم محتوى المخازن، فالفرق المستقلة الفقيرة يمكن لها الاستفادة من ذلك، وهو مسرح نشأ في أوائل التسعينات استجابة للشباب الهواة.
أما عن فلسفة الإنتاج في الثقافة الجماهيرية كواحدة من أهم جهات تشكيل الذوق العام فتحدث عنها محمد طايع، مشيراً أنه تم تغيير طريقة الإنتاج من بيوت وقصور وما إلى ذلك، إلى إنتاج العرض الواحد بما يسمى بالنشاط المسرحي، وبأن الثقافة الجماهيرية تقدم ثلاث مئة وستين عرضاً مسرحياً كل عام، ولكنه يشتكي من ضآلة الإنتاج، فالثقافة الجماهيرية هي أكبر وأهم قطاع معني بتشكيل الذوق العام لأنها من تذهب إلى النجوع والقرى وكل قطاعات ونواحي البلاد.
وقد ختم أشرف عزب الحديث ببعض النقاط المهمة وهي "أنه لا يوجد الآن توجه مؤسسي لتشكيل الذوق العام لأن هذا التوجه والحرص يستلزم وضع استراتيجية وآليات تنفيذ وميزانيات وقائمين على التنفيذ، فوفرة العروض وتنوعها هو ما يشكل الذوق العام، وتعاني القطاعات الفنية الآن من خروج عدد كبير من الفنانين على المعاش مع عدم وجود أعداد تعوض هذا الفقد السنوي، وقد تم تفريغ الفرق الفنية من الفنانين، فالفرقة الغنائية الاستعراضية التي كان عدد أفرادها عند الإنشاء 210 فنانين أصبحت عشرة، وتضاءلت الميزانيات وقلّ عدد الحفلات في البيت الفني للفنون الشعبية من 1200 حفلة سنوياً إلى ثلاثين حفلة، وهو ما يشير جليًا إلى عدم اهتمام المؤسسة حاليًا بتشكيل الذوق العام".
ومن موضوع هذه الندوة نجدها قد خرجت عن سياق عنوانها وذهبت إلى مشكلات الإنتاج، وربما ذلك يرجع إلى همّ المسرحيين القائمين على صناعة المسرح والنقاد أيضا، ليس في مصر فحسب وإنما أضحت تلك المشكلات المطروحة على منصة المهرجان القومي للمسرح هي مشكلات المسرح العربي بشكل عام.