رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم صفوق الشمري: هل تتحسن الخدمات الصحية في وجود هؤلاء؟

هير نيوز

بقلم صفوق الشمري: هل تتحسن الخدمات الصحية في وجود هؤلاء؟.. عندما كتبنا الأسبوع الماضي مقالًا بعنوان «المستشفيات الذكية والديناصورات»، لم نكن نتوقع أن تُحدث تلك الملاحظات الشخصية هذا القدر من التفاعل والاهتمام. فقد كانت انطباعاتنا الأولية نابعة من زيارة إلى الوطن بعد سفر دام نحو عقدين من الزمن، لنُفاجأ بأن بعض الكراسي القيادية والإدارات والأشخاص في القطاع الصحي لم تتغير، وكأن الزمن قد توقّف بهم، في الوقت الذي شهدت فيه بقية قطاعات الدولة قفزات نوعية وتحوّلات عميقة.

بقلم صفوق الشمري: هل تتحسن الخدمات الصحية في وجود هؤلاء؟.. تلقينا اتصالات ورسائل كثيرة من العاملين في القطاع الصحي، جميعها أكّدت أن الظاهرة «الإدارية» ليست استثناءً، بل واقعٌ واسع الانتشار، وتكررت الشكاوى من وجود احتكارٍ إداري للمناصب، وتدوير للمسميات لا للأشخاص، وغياب التجديد في القيادات، حتى خُيّل للعديد أن شعار بعض المؤسسات الصحية أصبح: «لا يوجد في البلد إلا هذا الولد!».

بقلم صفوق الشمري: هل تتحسن الخدمات الصحية في وجود هؤلاء؟.. كل شخص شاركنا قصته، روى بأسى كيف أثرت العقليات الإدارية القديمة في مسار التطوير، سواء من خلال فرض إستراتيجيات بائدة، أو عرقلة مشاريع نوعية، أو الإبقاء على شبكات مصالح مغلقة تتحكم في القرار وتقصي الكفاءات الشابة. هذه النُظم المغلقة لا تمنع التجديد فقط، بل تعيق إدخال التخصصات الحديثة، وتعجز عن استيعاب التحولات المتسارعة التي يشهدها الطب عالميًا. فالطب علم متغير بطبيعته، والتقنيات تتجدد كل عام، فكيف تُدار مستشفياتنا بعقليات من القرن الماضي؟

بقلم صفوق الشمري: هل تتحسن الخدمات الصحية في وجود هؤلاء؟.. وبغضّ النظر عن دقّة كل ما يردنا من قصص، فإن المؤكّد والثابت هو: بقاء «المنظومة الإدارية» لفترات طويلة في مواقعها يمثل عائقًا حقيقيًا أمام أي عملية تجديد أو إصلاح في كل القطاعات والمجالات سواء الصحة او غيرها. كما أنه يُهدر طاقات الشباب، ويُضيّع فرصة الاستفادة من إبداعات جيل جديد قادر على إحداث النقلة النوعية المطلوبة.

بقلم صفوق الشمري: هل تتحسن الخدمات الصحية في وجود هؤلاء؟.. من الطبيعي أن يحصل المسؤول على فرصة كافية (4 سنوات مثلا )، ليقدّم فيها كل ما يستطيع. بعدها، يجب أن يُنقل إلى مهمة جديدة أو يعود إلى عيادته ومجاله العملي. استمرار الأشخاص في مواقعهم لعقود، لا يُنتج قيادة صحية مرنة ولا مبدعة، بل ينتج جمودًا، وتدويرًا، وبيروقراطية قاتلة، وأحيانًا تغييبًا للعدالة في منح الفرص.

وفي هذا السياق، أتذكّر قول الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله-:

«محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكارًا قديمة، هي مضيعة للجهد والوقت».

في مثل هذه البيئات، يُقدَّم الولاء على الكفاءة، وتُفرغ المناصب من مضمونها الإصلاحي، وتُصبح الإدارات رهينة شِلَل مغلقة من المصالح، لا ترى إلا نفسها، ولا تسمح بمرور أحد خارج دائرتها، وهذا النوع من الجمود الإداري يقف نقيضًا تامًا لروح التطور والقطاع الصحي التي تقوم على التجدد والابتكار والمواكبة السريعة للتقنيات الحديثة.

إجابةً عن سؤال العنوان «هل ستتحسن الخدمات الصحية في ظل وجود هؤلاء؟»

الجواب ببساطة: لا. أو لنكن أكثر دقة: لن تتحسن إلى المستوى المأمول، ولن تواكب الطموح الوطني والقفزات الضوئية الذي تسير به بقية قطاعات الدولة.

حلول تطوير القطاع الصحي في المملكة: رؤية إصلاحية بثلاثة محاور

في ظل التحديات البنيوية التي يعاني منها القطاع الصحي، وتكرار مشاهد الجمود الإداري وغياب الديناميكية التطويرية، نعتقد أن تحسين واقع الخدمات الصحية في المملكة يتطلب خطة إصلاحية محكمة ترتكز على ثلاث ركائز إستراتيجية متكاملة، قادرة على إحداث نقلة نوعية مستدامة.

المحور الأول: تحديد سقف زمني للمناصب القيادية في القطاع الصحي.

هذا الحل، وإن بدا إداريًا شكليًا، إلا أنه يمثل أحد جواهر الإصلاح، فبقاء بعض القيادات الصحية لعقود في مواقعها أحد أبرز مسببات الجمود والركود التنظيمي، كما أنه يُغلق الباب أمام ضخ دماء شابة تواكب التغيرات السريعة في الممارسة الطبية والإدارية. لذا، فمن الضروري وضع آلية مؤسسية لتحديد الحد الأقصى لفترة شَغْل المناصب القيادية، مثل أن تكون أربع سنوات قابلة للتمديد مرة واحدة فقط (لمدة سنتين) في حال إثبات نجاح متميز وموثق بالنتائج. وعند انتهاء هذه الفترة:

إذا أثبت المسؤول كفاءة عالية وحقق إنجازات ملموسة، يُنقل إلى منصب أعلى وليس تدويره على المستوى نفسه بمسمى مختلف، وهو خطأ إداري متكرر يفقد القرارات مصداقيتها.

أما إذا لم يحقق مستوى الأداء المأمول، فيعاد إلى موقعه الفني الأصلي (استشاري، أكاديمي، باحث...) كما هو متبع في غالبية الأنظمة الصحية العالمية المتطورة.

كما ينبغي أن تكون من ضمن مسؤوليات القيادي خلال فترته تأهيل وتدريب قيادات بديلة، ليضمن استدامة الإنجاز وتوثيق المعرفة، ومن خلال هذه الممارسة والتجربة وجدنا ذلك من أهم عناصر الاستمرارية في النجاح !، فالمسؤول وهو يعلم مسبقًا أنه سيرحل، سيحرص على وضع بصمته، وتسطير إنجازاته وسيجتهد في بناء فريق قوي لاستمرار النجاح، لا مجرد اختيار المقربين أو من يرددون عبارات المديح.

هذا التوجه يعزّز ثقافة النتائج لا الولاءات، ويرفع من كفاءة الأداء المؤسسي، ويُفسح المجال للقيادات الواعدة من أبناء هذا الوطن، وهو في الوقت نفسه من أكثر النماذج الإدارية نجاحًا وتجربة على مستوى العالم.

المحور الثاني: تمكين الصناديق السيادية الكبرى من الدخول في تقديم الخدمات الصحية.

القطاع الصحي الخاص في المملكة لا يزال يحمل فرصًا واعدة غير مستغلة بالكامل، ونرى أن دخول كيانات ضخمة مثل صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، أو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد إلى ساحة تقديم الخدمات الصحية، عبر أذرع استثمارية احترافية كبرى، يمكن أن يُحدث تحولًا بنيويًا جوهريًا في السوق الصحي السعودي، وذلك استنادًا إلى العوامل التالية:

أ- سد الفجوة في عدد الأسرة مقابل النمو السكاني.

تشير البيانات الحالية إلى أن المملكة لا تزال تسجّل معدلاً منخفضًا في عدد الأسرّة مقارنة بعدد السكان، حيث يقارب المعدل 2.3 سرير لكل 1000 شخص، في حين أن المعدلات العالمية المستهدفة تزيد عن ذلك بكثير، ومع التوقعات الديموغرافية بارتفاع نسبة كبار السن، وهي الفئة الأعلى طلبًا للخدمات الصحية، فإن التوسّع في البنية التحتية الصحية أصبح ضرورة إستراتيجية لا يمكن تأجيلها. وهذا يثبت أنه ما زال هناك متسع في السوق لدخول لاعبين كبار لتغطية الطلب المتزايد، وهذا التوسع يتطلب دخول مستثمرين كبار قادرين على بناء وتشغيل منظومات صحية متكاملة وفق أعلى المعايير.

ب- رفع جودة الخدمات الصحية الخاصة وتنظيم السوق للأسف، يعاني جزء من القطاع الخاص الصحي من تدني الجودة بالرغم من المظهر الخارجي الجيد، إذ تركز بعض المستشفيات على الفخامة المعمارية والخدمات الفندقية، بينما تُهمَل المعايير الإكلينيكية، والتدريب المستمر، والنتائج العلاجية الحقيقية. دخول الذراع الحكومي الاستثماري سيكون حافزًا قويًا لرفع مستوى الجودة، لأنه سيُدخل نماذج إدارية عالمية وجودة عالية، وأنظمة تشغيل ذكية، ويطرح مراكز طبية تخصصية ذات جودة عالية ومخرجات قابلة للقياس، ما يُجبر الجميع على تحسين الأداء لمواكبة المنافسة. كما أن دخول مستشفيات عالمية إلى المملكة لا يزال محدودًا، وبعضها يقال تراجع عن الدخول لأسباب تتعلق بالممارسات التشغيلية غير الجاذبة، لكن دخول الصناديق السيادية سيُعيد رسم قواعد اللعبة، ويُضفي على القطاع مزيدًا من الحوكمة، والتنظيم، والمنافسة المحفّزة للجودة.

ج- الاستثمار الصحي في المملكة: آمن ومربح وذو قيمة مضافة وطنية تشير جميع المؤشرات إلى أن القطاع الصحي الخاص في المملكة يُعد من أكثر قطاعات الاستثمار أمانًا وربحية، حتى في ظروف الأزمات، فحتى خلال جائحة كورونا، كانت أسهم أغلب القطاعات حول العالم تنهار، بينما بقي القطاع الصحي مستقرًا بل حقق نموًا في بعض المواقع. وفي المملكة، تحقق المستشفيات الخاصة معدلات ربحية تتجاوز 20% وهي من أعلى المعدلات عالميًا. ما يجعل من الاستثمار الصحي فرصة حقيقية لأي صندوق سيادي يبحث عن عائد مالي مضمون، وفي الوقت ذاته يُحقق قيمة وطنية من خلال تحسين الخدمة، وتوسيع نطاق الوصول، والمساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية 2030، التي تسعى لتوسيع مساهمة القطاع الخاص في الصحة من 40% إلى 65%.

الاستثمار في القطاع الصحي الخاص يُعد خيارًا استراتيجيًا للصناديق الحكومية فهو يجمع بين القيمة المضافة للوطن والأمان المالي، والربحية العالية، وهو تمامًا ما تسعى إليه الصناديق الحكومية في استثماراتها. فإلى جانب العوائد المجزية، يحقق هذا الاستثمار أثرًا تنمويًا مباشرًا على جودة حياة المواطن وكفاءة النظام الصحي، ولا يزال هناك متسع كبير في السوق، وحصة سوقية واعدة لم تُستغل بعد بالشكل الأمثل، خاصة في ظل النمو السكاني المستمر.

المحور الثالث: تعميم استراتيجية المستشفيات الذكية والتقنيات الحديثة المستشفيات الذكية ليست توجهًا مستقبليًا فحسب، بل ضرورة حاضرة لتحقيق كفاءة أعلى وجودة أفضل في تقديم الخدمة الصحية. وتعني المستشفيات الذكية توظيف الذكاء الاصطناعي، وتقنيات إنترنت الأشياء، وتحليل البيانات، والأنظمة السحابية،والروبوتات لتحسين إدارة الموارد، والتشخيص، والعلاج، وسلامة المريض. وكما ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي نتائج تحويل المستشفيات إلى مستشفيات ذكية كانت باهرة في النتائج والأداء، وكأمثلة بسيطة فقد أثبتت التجارب العالمية والمحلية، أن تبنّي هذا النموذج يؤدي إلى:

تقليل عدد الموظفين لكل سرير بنسبة 20–25% مع زيادة في بالجودة.

خفض زمن الانتظار للعمليات والمواعيد بنسبة تصل إلى 40%.

تقليل الأخطاء الطبية بنسبة تزيد عن 40%.

تحسين كفاءة إدارة الأسرة، وخفض حالات إعادة التنويم. وغيرها كثير لا يسع المجال لذكرها وهذه الأرقام لا تُمثّل تحسينًا فنيًا فقط، بل تغيّر في معادلة كفاءة الإنفاق الصحي، حيث تتحقق خدمة أعلى بجودة أفضل وبتكلفة أقل.

كما أن المستشفيات الذكية تمكّن من بناء بنية صحية قادرة على التوسع ومواكبة الطلب المتزايد مستقبلاً، خاصة مع ندرة الكوادر في بعض التخصصات.

تعميم هذا النموذج يتطلب إرادة تنظيمية، واستثمارًا مستدامًا في البنية التحتية الرقمية، وتدريب الموارد البشرية على التعامل مع النظم الذكية، لكنه خيار قادر على نقل الرعاية الصحية إلى مستوى تنافسي عالمي. قد يتساءل البعض: لماذا لا يُطرح خيار توسع القطاع الصحي الحكومي، ممثلةً في وزارة الصحة مثلا، في إنشاء المزيد من المستشفيات بدلاً من الاعتماد على القطاع الخاص أو الصناديق السيادية؟

والإجابة من وجهة نظري: أن القطاع الخاص، بطبيعته، يمتلك قدرة أعلى على تقديم خدمات صحية ذات جودة وكفاءة، بشرط أساسي أُشدد عليه، وهو: أن تكون المنافسة عادلة، والبيئة التشغيلية احترافية وعالمية، والتنظيم والرقابة على مستوى عالٍ من الصرامة والشفافية.

عندما تتوافر هذه الشروط، يُثبت القطاع الخاص تفوقًا في مرونة الإدارة، وسرعة اتخاذ القرار، وتحقيق الكفاءة التشغيلية، مقارنةً بالأجهزة الحكومية المقيدة نسبيًا وأحيانًا بالأنظمة والإجراءات المركزية.

وهذا الرأي لا يتعارض مطلقًا مع التوجهات الاستراتيجية لرؤية المملكة 2030، والتي تدعو بوضوح إلى تمكين القطاع الخاص وتوسيع مشاركته في تقديم الخدمات الصحية، بهدف تحسين الجودة، وتخفيف العبء عن القطاع العام، وتحقيق استدامة مالية على المدى البعيد.

القطاع الصحي السعودي يقف اليوم على مفترق طرق: إما أن يستمر في إعادة تدوير الوجوه نفسها و السياسات نفسها، ويظل يدور في حلقة مفرغة من البيروقراطية والمجاملات، أو أن يتخذ القرار الحاسم ببدء مرحلة جديدة، تُبنى على: قيادة ديناميكية مؤهلة زمنيًا ومهنيًا.

استثمار وطني منظم تقوده الصناديق السيادية الكبرى. نقلة تقنية جوهرية نحو نموذج المستشفيات الذكية. المستقبل الصحي للمملكة مشرق بإذن الله، لكنه لن يُصنع بأفكار الماضي، ولا بقيادات عاشت فوق مقاعدها حتى تحجّرت. نحن في الوطن لا نفتقر للكفاءات، ولا للتقنيات، ولا للموارد المالية، بل ما نحتاجه هو التغيير لتحريك المياه الراكدة، واستبدال «الديناصورات» بمفاهيم قيادة معاصرة، مرنة، مسؤولة، ومتحفّزة للمستقبل.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط