الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

«أم السعد» | سيناوية عشقت أرض السلام فاعتكفت في أحضان جبالها

الخميس 04/أبريل/2024 - 04:03 م
هير نيوز

تعد الجبال من أعظم آيات الله في الكون؛ وذلك لما تتمتع به من قوة وعظمة، وقد وصفها الله بالأوتاد لشدتها "وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا " [سورة النبأ]، ولولاها لمالت الأرض وانقلبت وانعدمت الحياة على سطحها، فتلك الجبال تستقر بأوتادها في طبقة صخرية منصهرة عالية درجة الحرارة؛ لتحمينا من حرارتها الملتهبة التي إذا خرجت إلى سطح القشرة الأرضية لأهلكت الأخضر واليابس، والأمر لا يقتصر على الحماية فحسب، بل الجبال كلها منافع وفوائد ومتاع، وهذا تصديقا لقوله تعالى: "وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ (33) [ سورة: النازعات[ ، ومن ثّم نجد أن تخصيص يوم عالمي للجبال لم يأت من فراغ، فقد حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 11 ديسمبر "اليوم العالمي للجبال" ، ومنذ 2003، يُحتفل بهذا اليوم كل عام للتوعية حيال أهمية الجبال في الحياة.



ومدينة سانت كاترين أكثر مدن سيناء خصوصية وتميزاً، فهي أعلى الأماكن المأهولة في سيناء حيث تقع على هضبة ترتفع 1600 متر فوق سطح البحر في قلب جنوب سيناء على بعد 300 كيلو مترًا من قناة السويس، وتبلغ مساحة المدينة 5130 كيلو متر مربع، وتحيط بها مجموعة جبال هي الأعلى في سيناء وفي مصر كلها، وأعلاها قمة جبل كاترين وجبل موسى وجبل الصفصافة، وهذا الارتفاع وهبها مناخاً متميزاً معتدل في الصيف شديد البرودة في الشتاء، مما يعطي لها جمالاً خاصاً  يجذب السائحين وذلك عندما تكسو الثلوج قمم الجبال وأرض المدينة،

وأُعلِنَت المنطقة محمية طبيعية لما لها من أهمية طبيعية وتاريخية ودينية.

وتنتشر بالمدينة المناظر الطبيعية بما فيها من جبال وأودية تجعل السير فيها متعة للنفس، والتي أدت إلى انتشار رحلات السفاري بالمدينة لطالبي متعة الطبيعة الخلابة التي ستظل دائمًا وأبدًا بسحرها وجاذبيتها ملجأ ومهرب الإنسان من الهموم والزحام الذى أصبح يصيب الحياة بالملل والركود، ووسط جبال سانت كاترين تزخر بالأودية المليئة بمئات الحدائق ذات البهجة، بمياهها الجارية وأشجارها الشامخة العالية، وصخورها الهادئة الخاشعة المتضرعة … تلك لوحة الطبيعة مبدعها بديع السماوات والأرض، تجعلك تعيش لحظات ناطقة بعبارات الرونق والروعة فما تملك إلا أن تبعث من قرار داخلك: "سبحان الخلاق الأعظم".



فإذا كان الكثير منا يحلم بمنزل فوق تلك المرتفعات الشاهقة يقضي فيه عطلته أو بعض الوقت، ولكن العيش بصفة مستمرة بين الجبال، فالأمر ليس سهلًا أو مألوفًا، ولكن تلك السيدة السبعينية العاشقة لأرض سيناء أرض السلام، قررت أن تعيش بمفردها في أحضان الطبيعة بين الجبال، دون أن تشعر بأي خوف أو ملل..


إنها: "عامرية فرج موسى فرج" التي تخطت الـ70 عامًا والشهيرة بـ"أم السعد"، من قبيلة الجبالية، اختارت أسلوب حياة فريد من نوعه وجعلت عيشتها بين خبايا قمم الجبال بوادي "جبال" وبالتحديد في منطقة وادي "الزواتين" عالمها الخاص، ونجحت في صنعه ، ما جعل أهالي المدينة وعنهم صالح عوض حسين، أحد الأدلة البدوية، يؤكد أن " أم السعد"  فخر لقبيلة الجبالية، وأنها سيدة  قوية تحدت نفسها و اختارت ان تتجاوز العادات و تعمل مكان لنفسها من العدم و تستقل بذاتها في الشيء الذي تحبه وتعشقه.

فيما قالت أم رباب نجلة "أم السعد" لـ"هير نيوز": إن والدتها لديها عائلة كبيرة، فهي ليست وحيدة، ولديها 8 أبناء، إلا أنها بعد أن زوجت أبناءها فضلت العيش بمفردها وقررت أن تصنع لنفسها حياة مستقلة لافتة إلى أن مخيم والدتها وسط الجبال قبل أن يكون مكان عمل كان بيتًا لضيافة الزوار، والتقطت "رباب" طالبة جامعية حفيدة "أم السعد" خيط الحديث من والدتها مشيرة إلى أن جدتها اختارت أسلوب حياة فريد من نوعه لم يسبق له مثيل فقد اختارت أن تعيش حياة بسيطة بين خبايا قمم الجبال وأسست لها عملها الخاص بإنشائها مخيم جبلي بسيط يستقبل السياح من شتى بقاع العالم .

وأضافت حفيدة "أم السعد" أن جدتها نشيطة ومعروفة وسط السياح الوافدين إلى سانت كاترين والجميع يشهد لها بكرم الضيافة والبساطة واللباقة في التعامل مع السياح، وهذا يعد من أسباب حب الناس لجدتها.

ماذا قالت "أم السعد"؟


تقول "أم السعد"  لـ"هير نيوز": منذ الصغر وأنا أتردد على وادي "الزواتين"،  في مطلع جبل عباس باشا، وهو عندي بمثابة قطعة من الجنة، وسمي بوادي الزواتين ؛ لكثرة أشجار الزيتون في هذا الوادي، و شجرة الزيتون عندنا لها أهمية عظيمة حيث تمثل غذاء ودواء وظل، ولا يخلو بيت به حديقة في سانت كاترين إلا وزرعت شجرة الزيتون فهي رمز العطاء المتجدد، والمعين الذي لا ينضب، والوادي مليء بأشجار الفاكهة ومنها: التوت , والجوافة , والعنب , وعين الجمل , واللوز , والتفاح , والبرقوق , والتين , والفستق وغيرها، لافتة إلى أن معظم الفاكهة تطرح في غير أوانها، ويرجع ذلك لأن الجو في سانت كاترين أقل في درجة الحرارة، وهذه الحدائق متاحة لكل المارة أن يأكلوا منها.



وأشارت "أم السعد" إلى أن لها عائلة كبيرة و8 أبناء، و تحرص على زيارة عائلتها، التي تعيش في المدينة، وتحتاج أكثر من ساعتين في الطريق كي تصل إليهم، ولكنها بعد أن أنهت مسؤوليتها تجاه أبنائها وزوجتهم وأصبح كل منهم له بيته وحياته الخاصة، فضلت العيش بمفردها في المكان الذي عشقته منذ الصغر ، مؤكدة أنها لم تصاب بالملل من العيش بمفردها وسط الجبال دون أي مرافق رغم أنها لا تملك الكهرباء ولا شبكة اتصالات، وليس ذلك فحسب، فهي أيضًا لا تمتلك ساعة لمعرفة الوقت، بل تعتمد على شروق وغروب الشمس لحساب الوقت، حيث اختارت العزلة وسط الطبيعة، ولم تعد الحيوانات البرية تخيفها أو تزعجها، بل اصبحت الحيوانات والطيور جزء من عائلتها وتستمتع بكل شيء في مخيمها، الذي بنته منذ عشرين عامًا، وهو أفضل مكان بالنسبة لها حيث البساطة، والاستمتاع بالسكينة والهدوء، والسهول الخضراء والهواء النقي بين أحضان الطبيعة الخلابة.

وأضافت أن رحلة عملها تنطلق مع ساعات الفجر الأولى، بعد أن تؤدي صلاة الفجر تسرح مع غنمها في سهول الوادي وتكتفي برعايتها وحلبها، لافتة إلى أن أفضل الأطعمة لديها هو اللبن ومشتقاته، وبجانب رعيها لأغنامها  تستقبل وتستضيف الأفواج السياحية الوافدة لتسلق الجبال في مخيمها الخاص بها.  

وتابعت: وأدين لأبي رحمة الله عليه في كل شيء جميل في حياتي؛ فهو من رباني وأكرمني وهو من علمني أن الأحلام لا تتحقق بالأمنيات وإنما بالإرادة نصنع المعجزات، وهو أيضا من علمني ألا ألتفت للوراء ودائما أسعى للأمام. متمنية أن تكون طوال وقتها وحياتها في خدمة ومساعدة الناس.

ads